قطعًا لا، فالهمجية ليست وصفا لشعب من أعرق العرب، بل هي تهمة تطارد كل شاذ عن الأخلاق الحميدة، وقد يكون البعض منهم بالطبع، كما هي في كل بلد من بقاع الأرض، ولكن ما يحدث عندنا للأسف أن هناك فئة مشتتة بين أقوام تتصرف بشكل همجي لتقترب من الدونية الحيوانية، فمن يتعاطى مذهبات العقل كالمخدرات والإدمان على الخمور لأكثر من المعدلات المزاجية، واللصوص المحترفون والمنحرفون جنسيا، والمرضى النفسيون لأقصى درجات الجنون، وغيرهم من محترفي الجرائم، كل أولئك يوضعون في خانة الإجرام التي تؤدي الى جرائم القتل العائلية، أو القتل المرافق مع نوبات الغضب الشديد، أو أرباب الأسر المنحلة الذين يدفع الآباء بابنائهم وبناتهم وزوجاتهم الى تصرفات خارج إطار الأخلاق، وهذا بات منتشرا في بيئات لا رقيب ولا حسيب عليها، مدفوعة بالخوف الذي منع الكثير من الناس إبداء النصيحة أو تدخل الإخوة أو الجيران لنهر أي خارج عن الذوق العام وانحلال الأخلاق.
أما الفئة التي بات المجتمع يعاني منها، فهي ليست من أي نوع مما ذكر آنفاً، فهم أناس محترمون، وشباب يانع ينتظر المجتمع قطاف زرعه، وآباء يمتلكون كل شيء ويحيطون أنفسهم بهالة من الضياء الكاذب ومعاييرهم هي امتلاك المال والقدرة على توفير كل ما يطلبه الأبناء والبنات، لتجد أن في لحظة فرح بنجاح الابن أو البنت تخرج المفاجأة بتقديم الأب سيارة كهدية لا يمكن لشاب في العمر أن يحلم باستئجارها، ومن هناك يبدأ إفساد الأبناء ليصبحوا عالة فيما بعد، فليس لديهم أي احساس بقيمة ما يملكون، وإن جار الدهر على السيد الوالد تركه الأولاد?وكالوا له التهم بأنه سبب مشكلتهم، وقد يفعلون أعمالًا شنيعة، ولا يمكن حينها أن يعودوا الى حقيقتهم كي يرضوا بالتخلي عن مكتسباتهم جرّاء غباء الآباء، بل سينحدرون إلى الطبقة التي وصفناها بداية، فيضحّون بأي شيء كي تستمر حياة اللهو والطيش ويتنازلون عن أخلاقهم وكرامتهم الجسدية، ولهذا يتحمل الآباء مسؤولية إفسادهم والتعمية عليهم والدفاع عنهم، وهذه أفعال همجية.وعودا على بدء، فلننظر الى حالة الفوضى العارمة والازعاج عالي التردد ومواكب المركبات التي تجوب شوارع المدن والقرى، ولو تمكنوا لجالوا حول الصحراء الجرداء، ومع ذلك نراهم عبر الشوارع يكسرون كل الخطوط الحمراء بذريعة الفرح، على فرضية أنهم كبار عباقرة العلم، ولو تفحصتهم لوجدتهم في أسفل القائمة من الخريجين المبدعين، ومع ذلك لا يتورعون عن إزعاج الناس والبيوت وإطلاق أبواق السيارات، ثم نغلق الملف بإطلاق العيارات النارية القاتلة في شوارع المدن الكبرى والمكتظة وكأن معركة اندلعت في مواجهة العدو، فكم قتل من أطفال وزهقت أرواح أبرياء نتيجة إطلاق الأعيرة النارية على أيدي الهمج الذين أشرنا إليهم، ووصمونا جميعا بأننا همجيون!!، نطلق النار بداع وغير داع، في حفلات الزفاف يطلقون النار وفي المناسبات يطلقون النار، وفي المشاجرات يطلقون النار، وفي أي مزاج «مزهزه» يطلقون النار، ولا يدري ذلك المطلق أن الرصاصة التي أطلقها وقتلت طفلًا أو طفلة أو شخصاً بالغاً ستكون له بالمرصاد اليوم أو يوم الحساب فهي قتل عمد، فهل نحن همجيون؟!لا، فالأردنيون ليسوا همجا، وفئة محدودة لا يمكن أن تنسحب على غالبية الشعب، ولو كانوا همجا لأكلوا لحم من لجأ إليهم من خمسين قطرًا حول الأرض، ولكن أطعموهم من أكتافهم، وشاركوهم خبزهم وملحهم وماءهم وأفراحهم وأحزانهم وقضاياهم، ودافعوا عن حقوقهم، وصاهروهم، وامتزجت الدماء بين العائلات حتى باتت العلاقة شرياناً لا ينفصل، ولعل إخوتنا السوريين كآخر اللاجئين على هذه الأرض الطيبة يضربون المثل للشعب الأردني الذي لم يطلب أحد، صغيرا كان أو رئيسا، أن يعودوا لبلدهم، رغم شح كل شيء بين يدي الشعب البعيد بُعد السماء عن الأرض من الهمجية، حتى بات الضيف صاحب بيت وصهراً وصديقاً وفيّاً، لأن العرب لا يقطعون رحمهم ولكن الزمان جار عليهم وعضهم الجوع وقلة ذات اليد، جرّاء جهل بعضنا أو فقرنا بألاعيب التجارة والإدارة وبسط الأيدي كي ننافس بعضنا البعض على من يمتلك أكثر وأكبر والتنابز بالألقاب الفارغة من محتواها، ومجاراة الغير، وحب الوطن والإيثار حتى وصلنا الى مرحلة لا يحسدون عليها.عندما يصف أحدهم الأردنيين بأنهم همج، عليه أن يعلم أنه جزء منهم، فتلك الطينة من ذات المطينة.Royal430@hotmail.com