قديمنا جديدنا فيما يخص اختيار التخصص الجامعي وتعبئة طلبات القبول الموحد رغم ما أُنجز من تحديث للموقع الالكتروني لوحدة تنسيق القبول الموحد وتحويله إلى التفاعلية بتضمينه رسائل توجيهية وارشادات توعوية وإجابات عن كافة التساؤلات الشائعة في هذه المرحلة، إلا أن حالة التوتر والارتباك عند الطالب لاتزال حاضرة خاصة فيما يتعلق بتحديده ما يريد أن يكون وتضارب ذلك مع ما هو متاح له ضمن شروط القبول الجامعي والملاءة المالية عند الأهل أو ما يتوفر ضمن نظام المنح "المكرمة" والبعثات الدراسية.
اليوم لدينا 116773 طالباً وطالبة تمكنوا من إجتياز اختبار الثانوية العامة "الامتحان العام 2022" بنجاح ولدينا 10 جامعات حكومية و 19 جامعة خاصة و 44 كلية مجتمع، فكيف سندير المشهد التعليمي مع الحفاظ على توازنات معقدة تراعي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واحتياجات سوق العمل وقبل كل شيء ميول ورغبة الطلبة محور العملية التعلمية ومستقبل بناء ونهضة الوطن ومراعاة مصالحهم ومصالح المستثمرين، مع الأخذ بعين الاعتبار مخاطر وصول نسبة البطالة بين صفوف الشباب إلى 50%.ورغم جهود مجلس التعليم العالي وديوان الخدمة المدنية ومجلس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها ومحاولاتهم لتقديم الأدوات اللازمة لأبنائنا الطلبة لمساعدتهم على اختيار تخصصاتهم الجامعية بوعي وإلمام باحتياجات سوق العمل، وأيضا ما قدموه من معطيات تساهم في الحد من البطالة والاستثمار في الشباب بتحديد التخصصات المشبعة والراكدة والتوقف عن استقبال طلبات رفع الطاقة الاستيعابية فيها، حيث تم تحديد 57 تخصصا راكداً ومشبعاً في قوائم القبول الموحد في الجامعات الرسمية لعام 2021 في برنامجي الدبلوم والبكالوريوس.إلا أن الفجوة بين احتياجات سوق العمل والفائض من أعداد الخريجين وحملة الشهادات الجامعية تزاد إتساعاً، مع استمرار الانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي.فما هي المشكلة وما هو الحل؟!إن المراقب للمشهد والمعارف لمعاناة الطلبة والأهالي المتكررة كل عام يدرك أن مشكلتنا الحقيقية في ثلاثة أمور:- ثقافتنا المجتمعية فيما يخص التعليم الأكاديمي والتعليم الحرفي المهني.- أزمة ثقة المواطن في كل ما يتم تقديمه عبر المنصات الرسمية ومن مصادر حكومية، واعتماده على معلومات بعيدة عن مصدرها.- عدم توفر أدوات فعلية وحلول منطقية قابلة للحياة مقابل فيض كبير من التنظير والتملص من المسؤولية. وحلّها في توسيع مساحة سوق العمل على المستوى الاقليمي مع محيطنا العربي من جهة وتحديث التشريعات وتعزيز الحوافز لجذب الاستثمار الأجنبي، ودعم المشاريع الإنتاجية، لخلق مزيد من فرص العمل، من جهة أخرى.والعمل على وضع خطط منطقية قابلة للحياة وحث الخطوات باتجاه تعزيزها فعليّا لدعم التعليم المهني وتوجيه أبنائنا الطلبة إليه، وتأهيل المدارس أولاً والجامعات من بعدها لاحتضان التعليم المهني والتقني.ولعل إيقاف برنامج التجسير لبعض التخصصات الراكدة يحمل من السلبيات أكثر مما يجلب من الإيجابيات فهو يحد من طموح من لم يحالفهم الحظ من الطلبة بالحصول على مجموع مناسب من العلامات ومن لم تمكنه ظروفه المادية من استكمال تعليمه الجامعي حسب ميوله ورغبته. ومن الجدير بالذكر أن استحداث مجلس التعليم العالي لعشرات التخصصات بواقع 40 تخصصاً في الجامعات الحكوميّة و61 في الخاصة و24 في كليات المجتمع، سيكون له انعكاسات ايجابية على تحريك مشكلة البطالة من مربع المشكلات المزمنة إلى مربع المشكلات المتناقصة، ويحد من هجرة الشباب المتزايدة لغاية استكمال تعليمهم في الخارج والتي تشكل مشكلة حقيقية اجتماعية واقتصادية.نأمل أن نصل بأبنائنا الطلبة إلى برّ الأمان وتحريرهم من كل القيود التي تحول دون ممارستهم ابداعهم وتحقيقهم طموحهم، ونأمل أن نصل إلى حالة تكاملية بين كافة مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية لصالح بناء إنسان ريادي مبدع ومنتج.
نديم يكتب: أبناؤنا والقبول الجامعي، بين الفرحة والارتباك
مدار الساعة ـ