التقيت سليمان عرار في أواخر ايامه..
سليمان كان له (هيبة).. أو كما يقولون بالمعانية (وهرة)...كان يتناول قهوته الصباحية مع الباشا (خالد الطراونة) بحكم الجيرة, وكنت اذهب إليهما في صباحات لم تكن تخلو من الشوق, ولم تكن تحمل اليأس والإحباط..قال لي سليمان ذات يوم: (في الزيارة القادمة لمصر ستذهب معي, وستلتقي بأصدقاء لي من هناك.. وسيخبرونك عن تجاربهم الصحفية).. ولكن الزيارة القادمة لم تأت, وسليمان عاد ميتا.. قرر أن يغادر الحياة هكذا.. دون أن يخطر أحدا.في زمن سليمان عرار والجيل الذي رافقه في المناصب, كانت عمان مختلفة جداً.. لم يكن الرجال يحتاجون لصبغة شعر, وعمان لم تكن تصبغ جدائلها بعد, كانت الحفلات نادرة.. ومن الصعب أن تجد وزيراً في حفل أو مهرجان، وكنا نخجل أن نشعل سجائرنا أمام ذلك الجيل..اتذكر أن أول لقاء جمعني بسليمان عرار، كنت فيه فتى في أول خطى هذه المهنة.. كان عمري وقتها (24) عاما، وحدثني عن معنى «السخرية» في الصحافة... وعن الماغوط وعزيز نيسين, وخجلت أن اشعل سيجارتي, كنت أظن أنه من العيب اشعالها أمام عملاق بحجمه.. إلا أنه استدرك الأمر وأذن لي, ودخنتها على خجل منه ومن نفسي ومن السيجارة ذاتها... أنا الان في حضرة المسؤولين الحاليين أستطيع تدخين علبة سجائر, واستطيع أن اعطيهم محاضرة في إدارة وزاراتهم... وقبل يومين، اشعل لي أحدهم السيجارة.أين ذهبت يا سليمان؟... اتدري حين يذكرون اسمك في جلسة... لا أخرج السيجارة, حتى اسمك وأنت ميت له هيبة، هل كانت القصة مرتبطة بشخصك, أم بذاك الزمن الذي أصر أن ينتج لنا رجالاً مثل الصوان, اتدري أني تخيلت كفك ذات مرة... مجرد حجر صوان يصلح لشحذ نصل السكين..هل قلت كفا من الصوان تشحذ عليها السكاكين؟كانت كف أبي كذلك.. وكف سليمان عرار كذلك... وكل ما نحتاجه هو تلك الأكف التي تشحذ عليها نصال السكاكين...الأردن هو البلد الوحيد في العالم الذي يحتوي على كم كبير من الحجارة والصوان.. ويحتوي على كم أكبر من الأكف الناعمة...Abdelhadi18@yahoo.com