أسبوعان فقط وينطلق «دستورِياً» ماراثون «البحث» عن رئيس جديد للبنان, وسط أجواء سياسية/وحزبية وخصوصاً اجتماعية واقتصادية, مالية ونقدية وخدمية ومعيشية مُحتقنة ومفتوحة على احتمالات خطيرة شتّى, يلوح في أفقها الأسود التدحرج الى حرب أهلية جديدة, يُغذيها وينفخ في كيرها الاستقطاب الحاد, الذي بات يسِم المشهد اللبناني, بعد ان لم يعد ثمة فرصة أو رغبة أمام القوى السياسية/والحزبية للتوافق على رئيس جديد, يتوجب انتخابه قبل مغادرة الرئيس الحالي (ميشال عون) قصر بعبدا في 31/10 القريب.
يبرز في المشهد الراهن وعلى نحو لافت واستفزازي رئيس حزب القوات اللبناني الانعزالي, اليميني سمير جعجع وأحد ابرز رموز الحرب الأهلية التي خطط لها وفجّرها حزبه وقتذاك «حزب الكتائب» الفاشي في نيسان 1975. حرب أهلية لم تتوقف إلا بعد التوصل لـ"اتفاق الطائف» عام/1989, ما مهد الطرق لمشهد لبناني جديد, كانت إحدى تجلّياته سحب/تقليص بعض صلاحيات رئيس الجمهورية/الماروني, لصالح رئيس الحكومة/السُنّي وإن كانت غير شخصية, حيث هي صلاحيات لمجلس الوزراء «مُجتمِعاً».لكن الأثر السياسي/والمعنوي لاتفاق الطائف الذي لم يُطبق معظم نصوصه وبخاصة إلغاء الطائفية الساسية, كان الإقرار/الشعور بـ"هزيمة» المارونية السياسية التي هيمنت على لبنان منذ قيامه, سواء كَـ"لبنان الكبير» الذي أعلنه المُستعمِرون الفرنسيون, أم خصوصا بعد العام 1946 بما هو عام الاستقلال. رغم اللغط والنقاش المحتدم الذي ما يزال قائما حول تفسير مفهوم «الميثاقية/نسبة الى الميثاق الوطني» الذي لم يكن يعني سوى تفاهم/وتوافق مسيحي/إسلامي (أو قل ماروني/سُني) على رفض استورار الاحتلال الأجنبي أو الإستعانة به. فيما «الصيغة اللبنانية» فهي التي تم فيها «توزيع/اقتسام» المناصب العليا بين الطوائف, مع إعطاء النسبة «الأكبر» للموارنة وبنسبة أقل لحلفائهم/شركائهم السُنة, مقارنة بباقي الطوائف التي باتت مُهمّشة.هذا الخلط بين «الميثاقية» و"الصيغة» كان مقصودا منه «مارونياً» الإبقاء على التوزيع (غير المنصف) للمناصب العليا التي استأثرت بها الطائفة المارونية خصوصاً. حيث ما يزال زعماء هذه الطائفة يرفضون بشدة إدخال اي تعديل عليها وبخاصة في مسألة «المناصفة» التي استندت الى التعداد السكاني «الوحيد» الذي اجري في تاريخ لبنان عام 1932.يبرز في مقدمة المشهد المحتقن الآخذ في التفاقم واحتمالات الانفجار, قوى سياسية واخرى روحية تسعى الى اغتنام الاجواء الاقليمية/والدولية المتوترة ومفتوحة الاحتمالات, لتغيير قواعد اللعبة والتأسيس لموازين قوى جديدة, علّها تستدرك الخسائر والاختلالات التي كرسها اتفاق الطائف وتراجع تأثير المارونية السياسية (نسبيا بالطبع وليس في شكل فادح كما يروج هذا المعسكر منذ العام 1991 حتى الان. والتي تُوجّت بمقاطعة المسيحيين لانتخابات مجلس النواب الرابع عشر/عام 1992 اي مباشرة بعد اتفاق الطائف, بذريعة ان المسار السياسي في ذلك الوقت «يُهمِّشهم».سمير جعجع الذي اعتبر نفسه وما يزال مرشحا «طبيعياً» لموقع رئيس الجمهورية (كونه مارونياً), بات يدرك ان طريقه الى قصر بعبدا مغلقة. لهذا سعى ويسعى للبحث عن «رئيس جديد» يكون وفق مواصفاته ومواصفات حلفائه وبخاصة رجال الدين, الذين يتصدرون وعلى نحو لافت المشهد اللبناني, رغم الزعم ان لبنان دولة علمانية, حيث تقود المرجعية الدينية كل هذه التحركات ويحدد رموزها مواصفات الرئيس العتيد على النحو التالي.. ان يحظى «بإجماع وطني» وان يكون محايدا ولا يصطف ضمن محاور» وهو ما جاء في إحدى عظات البطريرك الماروني بشارة الراعي، وهي مواصفات لا يمكن ان تتوفر في شخصية لبنانية سياسية كانت ام حزبية ما بالك عسكرية؟, زد على ذلك ان سمير جعجع يضع مواصفات شبه متطابقة مع مواصفات البطريرك عندما يقول انه يريد رئيساً «يكون رِجّال وسيادي وإصلاحي بامتياز", حاسِماً في الوقت ذاته ان الاتفاق مع «الفريق الآخر» على رئيس بهذه المواصفات.. «مستحيل».أين من هنا إذاً؟يريد جعجع فرض رئيس بمواصفات خاصة ليس مهما عنده ان يتوافق مع الفريق/الافرقاء الآخرين, ولم يتردد في القول انه يريد رئيسا «تصادمياً» مُتسائلا: اذا لم نأتِ برئيس يتحدّى سياسات جبران باسيل وحزب الله فكيف سيتم الانقاذ"؟.وصفة جاهزة لحرب أهلية جديدة أو أقلّه التأسيس لسيادة «فخامة الفراغ» على المشهد, في ظل حكومة تصريف أعمال «لا يجوز لها دستورياً» القيام بمهمات رئيس الجمهورية حال شغور هذا المنصب, وتعذّر انتخاب رئيس جديد, خصوصاً اذا لم يستطع طرفا المواجهة تأمين اغلبية 65 صوتاً لانتخاب الرئيس العتيد. دون إهمال ما قد يطرأ من تطورات حال رفضت إسرائيل قبول الطرح اللبناني لترسيم الحدود البحرية, علما ان المدة الممنوحة لبنانيا تنتهي أواسط شهر ايلول الوشيك. في وقت يحبذ فيه جعجع عدم قبول إسرائيل الطرح اللبناني حتى لا يُجيّر «الإنجاز».. لحزب الله.kharroub@jpf.com.jo