ليس من عادتي تلبية الدعوات لحضور الجاهات, إلا في حالات نادرة جداً, واستجابة لدوافع عاطفية غير عادية, هي التي دفعتني لتلبية دعوة اللواء الركن يوسف الحنيطي رئيس هيئة الأركان المشتركة لحضور جاهة خطوبة كريمته, وهي تلبية لم أندم عليها, ليس لأنها ضمت أركان الدولة ووجهاء المجتمع, الذين حضروا احتراماً لشخص اللواء الحنيطي, ولكن لأن الحنيطي وبتصرف بسيط وتلقائي منه ذكرنا بالأصول, كما ذكرنا بالمصدر الحقيقي لفخر الإنسان واعتزازه وقوته ومكانته بين الناس, وذلك عندما كسر عادة انتشرت في مجتمعنا خلال السنوات الماضية, بأن يس?ى أهل الخاطب وأهل المخطوبة كل منهما إلى رئيس وزراء أو وزير من السابقين أو العاملين أو من ماثلهم للتقدم بطلب الجاهة والرد عليها, وهو أمر لم يفعله الحنيطي الذي كان بإمكانه تكليف أي من أركان الدولة للرد على طلب الجاهة, الذي تقدم به رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي, لكنه لم يفعل ذلك وكلف عمه بتلبية الطلب, وهو فعل يذكرنا بالأصول التي تفرض علينا احترام كبارنا بالدم والنسب وتقديمهم حتى على كبار المسؤولين, وهي الأصول التي تقول أيضاً إن مصدر قوة الإنسان وفخره الدائم هو نسبه, لأن ما عدا ذلك من مصادر القوة والفخر زا?ل, فالنسب جَعل رباني ثابت ومتوارث, وهو لُحمة شرعية وليس صفة يمنحها القانون.
لذلك فإن النسب لا يوهب ولا يباع ولا يشترى, لأنه محكوم باشتراطات السماء, التي وضعت له أحكاماً صارمة تحكمه أولها تحريم التبني, فليس من حق أحد منح اسمه لمن ليس من صلبه, فمنح الاسم ليس حقاً للشخص بل هو شأن أسرته وعشيرته ومجتمعه.ولأهمية النسب والانتساب ضبطت الشريعة أحكام النسب, وحمتها من الأهواء والعواطف, وأحاطت النسب بسياج منيع يحميه خاصة عندما حرمت خلط الأنساب نظراً لأهمية النسب في نقل الصفات الوراثية والسلوكيات المجتمعية, لذلك فإن الله عز وجل اختار لرسالاته رجالاً لا مطعن في أنسابهم, لذلك كان خاتم الأنبياء والمرسلين يفاخر بنسبه قائلاً «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» وهو القائل عليه السلام «إنَّ الله عزَّ وجلَّ اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطف?ني من بني هاشم», فالنسب الأصيل يمنع من الصغائر ويدفع إلى المعالي ولا تنكر عليه الصدارة لأن له أثراً في النفوس, بل إن الفقهاء والأصوليين اعتبروا أن حفظ النسب من المقاصد الكلية الخمسة للشريعة, وذهب الإمام أبو حنيفة إلى جعل الكفاءة بالنسب من شروط عقد الزواج.ولأهمية النسب والانتساب عرفت البشرية علم الأنساب, الذي كان يزدهر عند الأمم وهي في مراحل نهوضها ويعرف عند الغربيين في زماننا بعلم «جينا لوجيا», وقد عرفه العرب في عصور ازدهارهم, وكان الخليفة أبو بكر الصديق عالماً بالأنساب, وقد مدحه رسول الله «ص» على ذلك, وعلم الأنساب هو مصدر من مصادر كتابة تاريخ الأمم والشعوب, كما أنه وسيلة من وسائل حماية المجتمع وأمنه, خاصة من الجاسوسية والجواسيس الذين ينتسبون إلى غير أهلهم, ويختبئون وراء أسماء غير أسمائهم, ومن هؤلاء تشكلت الكثير من الخلايا النائمة في أكثر من دولة, وقد برع ?ليهود في هذا اللون من الجاسوسية, عندما تستروا بأسماء غير أسمائهم أو انتسبوا إلى عشائر غير عشائرهم, وقد آن أن ننتبه إلى هذه الحقيقة في وطننا, فانتبهوا لأنسابكم طاعة لله ولرسوله ثم حماية لوطنكم ومجتمعكم.Bilal.tall@yahoo.com
الحنيطي والعودة إلى الأصول
مدار الساعة (الرأي) ـ