أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

مع طاهر المصري عوداً على بدء

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

علقنا في المقال السابق على بعض ما طرحه دولة السيد طاهر المصري في مقالته «عن فداحة العجز العربي... وكارثية اللحظة الراهنة» والتي ختمها بنداء جاء فيه « فيا ساسة الأمة، ويا مفكريها ، ويا حكماءها ويا كل من هو معني بمصير هذه الأمة، هذا نداء لي ولكم، لمحاولة وقف هذا الانهيار المريع، بجهد جماعي جاد..مجرد محاولة»، وفي ظني أن دولته أفقد نداءه الكثيرمن قيمته ومحتواه عندما جعله نداء مطلقاً ومرسلاً للعموم، وبهذا الإطلاق قدم عذرا للجميع ليمارسوا هروبهم من تحمل مسؤولياتهم تجاه الأمة، ولعل دولته في جعل ندائه مطلقاً ومرسلاً لم يرد إحراج أحد، انسجاماً مع ما كتبه في نفس المقالة قائلاً « لا رغبة لي في تسمية أحد من سياسيي ومفكري وحكماء هذه الأمة، وهم كثر الذين يمكن لهم ، إذا تضافرت جهود البعض منهم أن يقوا هذه الأمة شر توالي انهياراتها...الخ»

حرج دولة السيد طاهر المصري من التسمية يقودنا إلى علتين أساسيتين، من علل الفكر والعمل العربيين، هما علة المجاملة، وعلة التعميم والعموميات، فآفة العمل العربي المجاملة التي تجعله عملاً مبنياً على «دخن» وعلى أسلوب « تبويس اللحى» عند اللقاء، حتى إذا ما انفض الجمع عاد كل شيء إلى سيرته الأولى، وهي سيرة ترحيل الأزمات، ترحيلاً يزيد من تفاقمها، لتنفجر في وجوهنا دماراً، لأننا هربنا من مواجهتها مجاملة.

تلك واحدة أما الثانية، فخلاصتها أن أسلوب التعميم والعموميات وهو أحد إفرازات وتجليات المجاملة، يحول بيننا وبين أن نقول للمخطئ أخطأت لتصحيح خطئه، كما أنه أسلوب يوفر الأعذار للجميع للهروب من تحمل مسؤولياتهم، باعتبارهم ليسوا معنيين بالحديث، الذي يوجه لجميع الحضور، الذين احترف كل منهم التنصل منه وتحميله للآخرين، وهذا سبب استمرار دوران امتنا في حلقة مفرغة، أدت إلى تفاقم مشكلاتها، وإلى وصولها إلى ما تعيشه من أزمات، يعرفها القاصي والداني، وقد أجاد دولته في ذكر هذه الأزمات في مقالته محل حديثنا، وظل أن يكملها بمقالة، يقدم لنا فيها تصوره المتكامل والمفصل للحل الذي يرنو إليه.

وحتى نقرأ من دولة طاهر المصري مشروعاً متكاملاً، نستأذن دولته، للقول بأن نجاح أي مشروع يتطلب أن نتفق على مواصفات صاحبه، وعلى مواصفات المشروع ذاته، أما صاحب المشروع فيجب أن يكون رجلاً محل ثقة عابرا لكل التوازنات، ولكل الحسابات، السياسية والطائفية والمذهبية والجهوية، فآفة جل السياسيين والمفكرين في بلادنا أنهم يصرون على مسك العصى من الوسط، وأنهم أوقعوا أنفسهم أسرى للتوازنات والحسابات، وهو الأسر الذي يحول بينهم وبين أن يكونوا حملة مشروع لنهوض الأمة وخلاصها

وبمقدار أهمية مواصفات صاحب المشروع، كذلك وأكثر مواصفات المشروع نفسه،فأمتنا بحاجة إلى مشروع نهضوي شامل، فالغالبية الساحقة من المشاريع التي طرحت عليها في العقود الأخيرة، كانت كسيحة أو عرجاء، في أحسن الظروف، فقد كانت إما مشاريع سياسية تهمل سائر الجوانب الأخرى، أو اقتصادية تهمل بدروها ما تبقى من جوانب الحياة، أو دينية تهمل الدنيا أو دنيوية تهمل الدين

غير آفة الكساح والعرج، ابتليت مشاريع النهوض العربية في العقود الأخيرة بالسقوف التي وضعت لها سلفاً، فغالبيتها كانت تبحث عن الحلول للمشكلات العربية عند الآخرين على قاعدة أن 99% من أوراق الحل بيد الأميركان، ومن ثم فإن غالبية المشاريع التي طرحت على أمتنا كانت لا تريد أن تتجاوز الحدود المرسومة للأمة من عواصم صنع القرار في العالم، وهي عواصم ليس من مصلحتها أن تنهض الأمم، ومن السقوف التي وضعت أمام مشاريع النهوض العربي، أن القائمين على بعضها، لم تكن لديهم رغبة بتجاوز سقف الحسابات والمكاسب الشخصية والآنية،سواء كان هذا السقف سياسياً أو جهوياً أو طائفياً أو مذهبياً،غير أن الآفة الكبرى أن القائمين على هذه المشاريع لا يرغبون في البذل والتضحية، وأمة لا يريد أبناؤها التضحية في سبيلها، ستظل دعوات إصلاحها «صوت عاقل في برية عرب هذا الزمان»على حد قول دولة السيد طاهر المصري.

Bilal.tall@yahoo.com

الرأي

مدار الساعة ـ