ليس ثمَّة مؤشرات على نية بيجين تطوير مناوراتها العسكرية الضخمة وغير المسبوقة في اقترابها من تايوان, خاصة بعدما اتخذت مساراً عملانياً أثار دهشة و"غضب" الولايات المتحدة وخصوصاً دميتها/تايوان. بعد أن مضت نانسي بيلوسي قدماً في زيارتها الاستفزازية, التي حظيت بدعم صقور البيت الأبيض و"حزب الحرب" في الكونغرس وجنرالات البنتاغون, عبر إرسال سرب من ثماني طائرات حربية انطلقت من اليابان لمرافقة طائرتها, في إيحاء باحتمال إسقاطها من قبل الجيش الصيني.
صحيح أن المناورات الصينية تواصَلت حنى الآن, بعد أن كانت بيجين حددت السابع من الجاري موعداً لانتهائها, إلا أن الذي يُروّج لشائعة "غزو" صيني وشيك للجزيرة الصينية التي يحكمها حزب انفصالي مُتطرف مدعوم من الولايات المتحدة, هو وزير الخارجية التايواني, الذي صرّح أمس/الثلاثاء: أن الصين تستخدم مناوراتها الجوية والبحرية حول الجزيرة لـ"لغزو وتغيير الوضع القائم في منطقة آسيا ــ المحيط الهادئ", على ما قال في مؤتمر صحافي، مُعتبراً ان "نِيّة الصين الحقيقية هي تغيير الوضع القائم في محيط تايوان والمنطقة بأكملها".تصريحات كهذه تُذكِّر المتابع بما كان وما يزال يطلقه الرئيس الأوكراني/زيلينسكي من تحذيرات وتحريض ومناشدات للغرب الإستعماري, قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بدونباس وخصوصاً بعدها, لاستدراج حلف الناتو والإتحاد الأوروبي. وهو ما حاول وزير الخارجية التايواني أمس الترويج له وبث الرعب في دول المنطقة, عندما ادّعى أن المناورات الصينية "أعاقت أحد أكثر طرق الشحن البحري ازدحاما في العالم", (تماماً كما اتّهم زيلينسكي موسكو بالتسبب بحدوث مجاعة في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط).لم ينسَ الوزير التايواني بالطبع تقديم "الشكر لحلفاء بلاده الغربيين, لوقوفهم في وجه الصين مُضيفاً..(هذا يبعث رسالة واضحة للعالم, بأن "الديموقراطية" لن تخضع لترهيب "الإستبداد"), وكأني به يستنسخ أقوال زيلينسكي عن الديموقراطية المزعومة لبلاده, والإستبداد الذي يبسط هيمنته على روسيا والصين (في نظرهما).ماذا عن الصين؟بيجين ماضية في "تنفيذ" ما كانت لوَّحت به وحذرت منه قبل زيارة بيلوسي الاستفزازية لتايبيه, عندما قال رئيسها شي جين بينغ "أن مَن يُشعل النار سيحترق بها". ولهذا هي تعمل على مسارين وتمنح الأولوية لمناوراتها التي تشارك فيها الأسلحة الجوية وخصوصاً البحرية حدا يمكن وصفه بتطبيق حصار يبدو مُتدحرجاً وقد يتطور (وذلك مرهون بما ستقوم به واشنطن خصوصاً التي أرسلت حاملة الطائرات رونالد ريغان إلى المنطقة بزعم ممارستها حرية الإبحار في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان), كذلك ما ستُقرره تايوان نفسها التي أنهت أمس مناورة عسكرية بالذخيرة الحية تُحاكي "غزواً" صينياً للجزيرة.زد على ذلك أن الصين أعلنت قبل يومين (عبر التلفزيون الصيني) أن "المياه الإقليمية لتايوان لم تعد موجودة, وأن تدريباتها العسكرية أصبحت منتظمة"، مُوضحة أنه "من الآن فصاعداً ستُجري السفن الحربية والطائرات التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني تدريبات مُنتظمة شرق ما يُسمّى (الخط الوسط) لمضيق تايوان".الرسالة واضحة لطرفي المواجهة الراهنة وغير الساخنة حتى الآن وهما واشنطن وتايبه, واحتمالات الإنزلاق إلى مواجهة (غير مقصودة/أو مُخطط لها) باتت الآن أكثر من واردة، حال لم يكبح الثنائي الأميركي/التايواني استفزازاتهما المُبرمَجة في ما يبدو, وهو ما لفتت إليه بيجين عندما هدّدت "بتحطيم أوهام تايوان الإستقلالية".ماذا عن المسارين السياسي/والدبلوماسي؟.رئيس الدبلوماسية الصينية وانغ يي بتصريحه اللافت أن "تايوان ليست جزءا من الولايات المتحدة بل أراضٍ صينية".. يروم إرسال رسالة جادة/وحادّة لادارة بايدن مُعتبراً أنها تنخرط في "سفسفطة" مسألة تايوان. فيما وصف تصرّفات بلاده بشأن تايوان بانها "كانت عادلة ومناسبة وقانونية"، فضلاً – أضاف - انها تهدف حماية السيادة المقدسة للبلاد وسلامتها الإقليمية.. مشيراً وهنا يتّهم واشنطن مباشرة "بناء على دلائل" كما قال, بأنها تنتهز الفرصة لتصعيد وجودها العسكري في المنطقة، وهذا في رأي الوزير الصيني "يتطلب من جميع الأطراف إبداء اليقظة وتقديم مُعارضة حازمة".أين من هنا؟ثمَّة مَن يصِف كل ما اتخذته بيجين من خطوات ميدانية, من خلال مناوراتها الضخمة وقرارات سياسية وتحركات دبلوماسية, إنما يُشكل بداية عدٍ تنازلي لجدول زمني أعدَّته الصين مُسبقا لإعادة ضم تايوان.. بالقوة".. فهل يُمكن الاتكاء على قراءة كهذه؟ ام بيجين سيكون لديها الوقت الكافي والارادة الصلبة والقدرة على ردع واشنطن وتقديم الدعم لأنصارها في تايوان.. قبل الإقدام على خطوة كهذه؟.... الايام ستروي.