دعونا نتجاوز عقدة «غزة العزّة» وأبطالها المقاومين ونذالة الأقربين وفاشية العدو الصهيوني، وتاريخ الصراع بين الحق والباطل، لنعود الى ما يحدث في بلد من أهم بلاد العرب بقيمه وتكاتف أهله وسبقه للجميع في القوانين والأنظمة واحترام قيمة الإنسان فيه وبالمختصر سمعنا ورأينا عن رجال طاعنين في السن يزجون في السجون بلا جرائم ارتكبوها ولا اغتصاب لأحد أو سرقة كبرى وكل ما في الأمر أنهم أفلسوا مالياً.
قادتني الصدفة عند صديق قديم لم أره منذ سنوات، وكان نزيلا في أحد السجون بسبب مشاكل مالية بدأت مع احتفالنا بهجمة فيروس كورونا، وأسهب الرجل في أسباب مأزقه لتخلف المستأجرين عن التزاماتهم بالأجور وإعادة الشيكات طويلة الأجل، ومن خلال الحديث كان يقول لي جملة لم أستوعبها في البداية، إذ كان يقول: «لما كنا في الهوليدي»، فبادرته بالسؤال: هل كنت في الفندق؟ قال أي فندق؟ نحن نسمي السجن بالهوليدي، ومع مجريات الحديث عددّ لي أسماء لرجال كنا نعرف أسماءهم لأنهم من قيادات الأعمال والشركات الكبرى أو المتوسطة، وفي التعداد وجدت أن بعضهم قد تجاوز السبعين عاماً من العمر وغيرهم تجاوزوا الثمانين.ما يسمون هناك بنزلاء مراكز الإصلاح من كبار السن، لا تنطبق عليهم صفة مجرم يرجى إصلاحه، بل هم ضحية زمن بات الجميع فيه يلهثون وراء المال ويستسهلون إدارة مشاكلهم برفع قضايا مالية وجزائية على خصومهم، ولا يعقل أبدا، أن يبقى رجال طاعنون في السن أو ممن يتجاوزون سن الستين عاما بسبب قضايا مالية، وما داموا في المعتقل لن يستطيعوا العودة لنشاطهم كي يفوا بالتزاماتهم المالية للغير، ومن هنا يجب إعادة النظر في التشريعات والقوانين لحماية تلك الفئة من المهانة والاحتقار والاختلاط بالمجرمين واللصوص والقتلة وأصحاب السوابق القذرة.أحد الأمثلة أقدمها لمن يهمه الأمر: شيخ طاعن ومريض ويعاني من شلل رباعي، هل تفهمون ما هو الشلل الرباعي؟ عافاكم الله، يُدخل السجن لقضية لم أفهم تفاصيلها، سوى أن عليه قضية حجز، وبات اسبوعا دون أي رعاية أو إصلاح، ولكن حظه جاء عند أصحاب سوابق سرقات، يأخذونه الى المرحاض، ويعيدونه الى فراشه بين بقية المساجين ومثال آخر لرجل أعرفه شخصيا تجاوز الثمانين أيضا، وأطعم نصف عمان من محلاته للطعام والحلويات، لأتفاجأ بأنه نزيل هناك، وكان محدثي يقول كنت أراه يمشي طيلة الليل، ولم أتعرف عليه إلا في اليوم التالي، فذكرته بنفسي لأنني قابلته عدة مرات!فيما مضى أحالت الحكومة لمجلس النواب مشروعاً معدلاً لقانون التنفيذ، خفض فيه مدة الحبس على الديون التي تقل عن مبلغ الألف دينار، بما لا يتجاوز الحبس (30) يوما و"منع كذلك حبس المدين اذا تجاوز عمره السبعين عاما او اذا تبين ان حالته الصحية تحول دون حبسه»، وهذه المادة من أفضل ما قد نراه من احترام لأصحاب الأعمار «المنحوسة»، ولكن اللجنة القانونية لم توافق عليها، ويجب اليوم إعادة طرحها مجددا، حتى لا نظن أنهم يريدون قتل كل مرؤة واعتزاز لرجال أو نساءٍ يرون في أنفسهم قدوة لأبنائهم.الأمر الأخير الذي يجب الأخذ به في ظل اكتظاظ مهاجع مراكز الإصلاح، يجب إعادة النظر بتصنيف النزلاء، فلا يعقل أن تجمع نزلاء أسوياء جارّ عليهم الزمن مع نزلاء ذوي سوابق جرمية ولصوص وتجار مخدرات، ويجب الفرز والتصنيف وتخصيص مراكز خاصة للنزلاء حسب قضاياهم، فالأساس في رسالة الاصلاح إعادة تأهيل المجرمين لا دمج الشريف مع الوضيع، فكيف بالله يرى الأب نفسه لأنه عجز عن الوفاء بدينه في ذلك العمر، وكيف هي نظرة بناته وأبنائه وهم يذهبون يومين في الأسبوع لزيارة آبائهم وهم يزاحمون أشخاصا ارتكبوا الفواحش والجرائم، ولا يستطيعون معانقة أبٍ رحل عمره في تربيتهم..Royal430@hotmail.com
أطعم نصف عمان من محلاته.. وهو الآن يقبع في السجن
مدار الساعة (الرأي) ـ