مدار الساعة -كتب: محرر الشؤون الاستثمارية - بدأت الحكومة قبل حوالي شهر ونصف الشهر من الآن بماراثون نقاشي من أجل استعراض قانون البيئة الاستثمارية الذي جاء بالتزامن مع حزم الإصلاحات الاقتصادية التي تشرع بها الحكومة سعياً لتحسين الواقع التشريعي للبيئة الاستثمارية في المملكة، بدأت النقاشات مع القطاع الخاص بحضور خجول للفريق الاقتصادي بقيادة وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة الذي أسهب في شرح القانون الذي كان مقترحاً بمسودته الأولى التي نسفها الصناعيين وأصحاب الاختصاص ممن تمت مشاورتهم لأنها مسودة قائمة على إلغاء الحوافز الاستثمارية التي يوفرها قانون الاستثمار الحالي الذي وصفه خبراء في مجال الاستثمار بأنه يحتاج لبعض التنقيح والترشيق والصلاحيات الكاملة لوزارة الاستثمار دون الشروع بقانون جديد لا يسمن ولا يغني من جوع وكأن العنوان المكتوب له بأنه وُلِدَ ميّتاً بحسب ما وصفه خبراء في الاقتصاد والاستثمار.
ورغم كل شيء استمرت الحكومة باقتراح مسودة مشروع قانون يختلف تماماً عن ذلك القانون الذي كانت تروّج به بين المختصين، مسوّدة تحوّلت للبرلمان تختلف كلياً عن تلك التي أغضبت الصناعيين وأعادت الحوافز الاستثمارية الممنوحة للقطاعات التي لم تختلف عن تلك الموجودة في القانون الحالي، لا بل تم ربطها بلجنة وزارية في عضويتها وزير المالية والذي اعتبرته جهات تشريعية واستثمارية بأنه تضارب واضح للمصالح، فكيف سيقف وزير المالية مع أي اعفاء ضريبي وجمركي ونحن نعلم بأن الضريبة والجمارك هما العامودان الرئيسيان اللذان يقوم عليها راسمو الموازنات ومخططوها، وإضافة على ذاك ستكون اللجنة الوزارية عقبة جديدة وخطوة إضافية أمام المستثمرين للبدء بمشاريعهم الاستثمارية الكبرى المأمولة بعكس ما هو معمول به حالياً بموجب قانون الاستثمار رقم ٣٠ لعام ٢٠١٤. انتقل الملف من سدة الحكومة إلى قبة التشريع، وبدأ مجلس النواب بنقاش مقترح القانون الجديد وقاموا بتحويله إلى لجنة الاقتصاد والاستثمار لتنقيحه وإجراء المشاورات الوطنية بخصوصه، وكانت الصدمة مجدداً بأن كل من ناقشوا القانون مع لجنة الاقتصاد والاستثمار يوجهون له الانتقادات الكبيرة لا وبل أن المناقشون ذهبوا لما هو أكبر من ذلك ووجهوا الانتقاد اللاذع لكل من أسهم في مثل هذا المشروع واعتبروه استنزافاً للوقت ولم يأتِ بالجديد، والمستغرب هذه المرة أن المنتقدون ليسوا من وجوه المعارضة التي تعارض فقط من أجل المعارضة والانتقاد، بل هم من أبناء القطاعين العام والخاص الذي عملوا في مختلف قطاعات الدولة وممن يملكون الاستثمارات المختلفة ومن الأكاديميين والصناعيين والصحفيين المختصين في الشأن الاستثماري والاقتصادي. ورغم كل ذلك، يقف أصحاب المواقف المؤيدة للقانون وهم قلّة قليلة وينتظرون أن يمرّ القانون من أجل أن يقولوا بأنهم مرروه فقط، وينتظر من هم على الدفة الأُخرى وهم كثر منتظرين رد القانون من مجلس الأمة وأن يكون هنالك حوار وطني عام يستند لرؤية التحديث الاقتصادي ٢٠٣٣ التي رعى مخرجاتها جلالة الملك حفظه الله وأمر بالسير في تطبيقها وتذليل العقبات وتبسيط الإجراءات وصياغة تشريعات اقتصادية حقيقية تجعلنا نواكب مسيرة الإصلاح في الأردن الجديد بمئويته الثانية بكل عزم وتفاؤل وليس بقوانين عصماء منزوعة الدسم لا تحقق الهدف المرجو من تعيير القوانين لا بل أنها ستعطي صورة بأن عدم استقرار التشريعات الاستثمارية هي السمة السائدة عند القائمين على الاقتصاد الأردني وهذا ما لا نرجوه. على الحكومة أن تُسجّل نقطة للتاريخ وتقوم بسحب مشروع قانون البيئة الاستثمارية الجديد الذي لم يأتِ بأي جديد يُذكر، وإذا لم ترغب الحكومة بذلك فإن الكُرة في ملعب مجلس الأمة ونعلم بأن النواب والأعيان سيقرأون جيداً المشهد كما قدمه وتحدّث به المختصين في المجالات الاقتصادية والاستثمارية بمختلف مواقعهم بأن هذا المشروع يجب أن يُرَدّ ولا يجب أن يستمر النقاش حوله بصيغته الحالية، ولتكن نقطة تُسجّل أيضاً بأن مجلس الأمة هو مجلس نقاش وحوار فكري وليس مجلس تمرير المشاريع العصماء التي لا فائدة لها.
هل سيردّ مجلس الأمة مشروع قانون البيئة الاستثمارية الجديد للحكومة؟
مدار الساعة ـ
حجم الخط