أعتقد أنني أكثر الناس معرفة بفكر الشهيد وصفي وببرامجه وتوجهاته، ليس فقط لأنني كنت جزءاً من الفريق الذي شكله وموله والدي رحمه الله لجمع تراث وصفي وطباعته وتعريف الناس به، وقبل ذلك توثيقه وحفظه من الضياع عندما طبعنا هذا التراث بين دفتي كتاب ضخم، حمل عنوان كتابات في القضايا العربية، وهو الكتاب الذي صار المصدر المعتمد لكل باحث منصف في فكر وصفي، وأنا الذي سمحت لوزارة الثقافة بإعادة طبعة هذا الكتاب دون مقابل، رغم أنه الكتاب الذي سرق بعضهم أجزاء منه وأصدروها بكتب عن وصفي نسبوها لأنفسهم، ليس لهم فيها إلا جهد السا?ق الذي يسطو على حقوق الآخرين ليثري.
لم تتوقف قرآتي لوصفي وفكره عند حدود كتابات في القضايا العربية، فأنا أول من عقد حوله ندوتين علميتين فكريتين على مستوى الوطن، قدمت بهما بحوثاً علمية فكرية حول فكر الرجل وسيرته ومسيرته، بالإضافة إلى شهادات حية من رفاقه وأصدقائه الذين عايشوه وعملوا معه، وقد صدرت أعمال هاتين الندوتين في كتابين صارا مع الكتاب الأول أهم المراجع عن وصفي.ومن مصادر معرفتي عن وصفي غير ما ذكرت أعلاه، أنني أثناء التحضير للندوات التي عقدتها عن وصفي التقيت بالكثيرين ممن كانوا محل ثقته أو موضع سره، ومنهم الدكتور عبد السلام المجالي، والمرحومون كمال الشاعر وحمد الفرحان وعدنان أبو عودة ومروان دودين، كما استمعت عنه من اللواء سمير الخطيب مدير الدائرة العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية، واللواء عبد الرزاق اليحيى رئيس هيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني، وقد عملا معه في جيش الإنقاذ في منطقة الجليل، مثلما استمعت عنه من اللواء مصباح البديري وهو الآخر من قادة جيش التحرير ال?لسطيني.وهؤلاء جميعاً من مشارب متعددة،بين بعضها تباين، لكنهم أجمعوا على احترام وصفي وعلى صفاته. وأولها أنه كان يؤمن إيمانا مطلقا بالنظام الملكي، وكان أشرس المدافعين عنه،وكان إذا اكتشف خطأ يعالجه بالحوار وبإعلان الرأي وبالوسائل المشروعة والمواجهة المباشرة مهما كان الثمن،ولم يكن من أخلاقه الشتم والاتهام، رافضا أي وسيلة فيها إساءة للأردن أو تشويه لصورة وطنه، وكان رجل حوار يحرص على سماع الرأي الآخر مهم كان مخالفا له بعد أن يعطي صاحبه مساحته من الحرية،فقد كان يؤمن بثقافة «فتبينوا» فوق أنه كان رجلاً قوياً واثقاً بنفسه ق?دراً على المواجهة، مثلما كان رجلاً إيجابياً ينظر إلى النصف الممتلئ من الإناء.هذهِ الصفات وغيرها من صفات وصفي التل لا يعرفها بعض الذين واللواتي يتباكون اليوم على وصفي، خاصة أولئك الذين واللواتي كانوا يتهمونه، بـ«العمالة»، بل أن بعض المتباكين هذه الايام على وصفي والمتباكيات كانوا ممن حملوا السلاح في وجه مشروعه، وهاهم اليوم يسيئون له عندما يختبئون خلفه للإساءة لوطنه ولديوان عشيرته، وهم يتخيلون مؤامرة حيكت بليل، وقد عمتهم عيونهم المليئة بالقذى، أو عمتهم الأيدي التي تحركهم عن رؤية اللقاء المهيب الذي احتضنه ديوان آل التل، والذي كان مرتباً منذ أسابيع ولم يكن مرتبطاً بحدث معين كما زعم أصحا? الخيال المريض، الباحثين عن دور من الذين اعماهم حقدهم عن رؤية المشاركين باللقاء المهيب، ومنهم رؤوساء وأساتذة جامعات، ورؤساء وأعضاء هيئات أهلية وخاصة منتخبين، وقيادات نسائية وشبابية، ووجهاء عشائر ومخيمات، وقد أثرى هؤلاء النقاش بسقف مرتفغ من الحرية مع رئيس الديوان الملكي، ولعل هذا سر الغيض الذي حرك بعض الأقلام السوداء الذين يكذب العمل على الأرض أكاذيب خيلاتهم المريضة، التي جرأتهم على تاريخ الشهيد وصفي وقناعاته، ولهؤلاء نقول من المعيب ان تختبئوا خلف شهيد الوطن للاساءة لوطنه وعشيرته، واتركوه يستمتع براحته الأبدية.
اتركوا الشهيد وصفي في راحته الأبدية
مدار الساعة (الرأي) ـ