عشرات المرات حذرنا من الإعلام الأسود الذي يشوه بلدنا، من خلال اجتزاء الوقائع لتزوير الحقائق, مما يهز الثقة بين الناس مثلما يهزها بالمؤسسات, والأخطر من ذلك أنه يمزق العلاقات البشرية عندما ينتهك خصوصية الأفراد والجماعات.
مناسبة هذا القول ما نشرته بعض وسائل التواصل الاجتماعي من مزاعم كاذبة عن وقوع مشاجرة أثناء وجود رئيس الديوان الملكي في ديوان آل التل بإربد يوم السبت الماضي, فمن المؤسف أن من وقف وراء هذا النشر تجاهل حواراً ثرياً, ليركز على لحظة تدافع بعض الضيوف للسلام على معاليه, ليصور هذه اللحظة على أنها مشاجرة, علماً بأن الكثيرين من حضور اللقاء وهم بالمئات لم يشعروا بهذا التدافع, لسرعة تلافيه، ومع ذلك صوره الإعلام الأسود على أنه مشاجرة متجاهلاً ثراء ودلالات النشاط الذي نظمه ديوان آل التل, وأول هذه الدلالات انه مع عودة الحياة إلى طبيعتها, بانتهاء الكثير من الإجراءات الاحترازية التي اتخذت لمواجهة وباء كورونا, استأنف ديوان آل التل نشاطه الثقافي فكان على موعد مع رئيس الديوان الملكي العامر, في لقاء جماهيري حاشد يمثل مختلف أطياف ومكونات وطبقات مجتمع محافظة اربد, في حوار مفتوح مع معاليه استمر لثلاث ساعات.لقد جاء هذا اللقاء كجزء من رسالة ديوان آل التل في خدمة المجتمع والوطن، فلطالما احتضن هذا الديوان قضايا الوطن والأمة، وأشبعها بحثاً وتمحيصاً من خلال استضافته للمفكرين من داخل الأردن وخارجه, عداك عن أبنائه من الشعراء والمثقفين والإعلاميين الذين تُزين كتبهم واجهات المكتبات العربية, وفي هذا الديوان التحمت الكلمة بالعمل عندما كان مقراً لثوار فلسطين وسوريا ومستودعاً لأسلحتهم، التي تربى على قعقعتها بطل القدس عبدالله التل وشهيد فلسطين وصفي التل، وكلاهما خاضا مع كوكبة من أبناء الديوان حرب فلسطين بعضهم بقيادة عبدالله التل من خلال الجيش الأردني وبعضهم الآخر بقيادة الشهيد وصفي مع جيش الإنقاذ.وفي ساحة هذا الديوان عُقد المؤتمر الوطني الأردني الثالث عام 1930، وهي الساحة التي طالما استراح فيها الملك المؤسس عبدالله الأول، وعرج عليها الكثير من أمراء آل هاشم واشرافهم.لكل هذه الأسباب ارتأى الديوان أن يكون استئناف نشاطه من خلال استضافة شخصية اعتاد الأردنيون على رؤيتها وهي تجوب أرجاء الوطن من أقصاه إلى أقصاه بواديه وأريافه, مدنه ومخيماته, حاملًا لهم خير وطنهم, مبادرات ملكية تُحيي موات الأرض، وتزين وجهها بالإنجازات التي تلبي طموحاتهم، تنفيذا لتوجيهات قائد الوطن, الذي نثر كنانته فاختار منها لهذه المهمة رجلاً امتلك اسرار وصفة النجاح، وأولها القدرة على التواصل مع الإخلاص في أداء الواجب الذي يناط به، والتفاني بالعمل بمواصلة كلالة الليل بكلالة النهار, بما في ذلك أيام الجمع والعطل والأعياد, فعبر 65 عاما قضاها يوسف العيسوي في الوظيفة العامة لم يحدث أن أخذ إجازة من العمل إلا مرة واحدة كانت بضعة أيام تخللها زواجه، وهو إذ يتفانى بالعمل فإنه يملك قدرة عجيبة على المتابعة الحثيثة والدقيقة مع حرص شديد على الانضباط الذي يقود إلى الإتقان، ويوسف العيسوي إذ يُتعب بهذا السلوك غيره من المسؤولين، فإنه يقدم لشباب الوطن دليلًا لا يقبل جدلًا, بأنه ليس الواسطة والمحسوبية هما طريق النجاح الحقيقي, فقد وصل الرجل إلى ما وصل إليه منطلقاً من نقطة الصفر وصولًا إلى القمة, معتمداً على ذاته وإخلاصه, وعند القمة لم يتغير فيه شيء فظل على تواضعه, وحميمته وقدرته على التواصل مع مختلف فئات المجتمع وطبقاته وجعل من الديوان الملكي الهاشمي العامر بيتاً لكل الأردنيين مما يدل على أن المعدن الأصيل لا تغيره المواقع ولا تبدله المناصب، وهذا هو حال يوسف العيسوي الذي أهله إخلاصه وتجرده ليكون محل ثقة قائد الوطن فانتدبه ليكون جسراً حقيقياً للتواصل مع شعبه, حاملًا للخير حارسًا للإنجاز, ليأتي بعد هذا كله الإعلام الأسود فيتجاهل ذلك كله ويتجاهل الحقائق التي عرضت بالصور والأرقام عن إنجازات الوطن, ويختصر حواراً استمر لثلاث ساعات, بلحظة تدافع لم تصل مدتها دقيقة واحدة, ثم نتحدث عن الموضوعية وحرية الرأي.Bilal.tall@yahoo.com