في خضم المناقشات النيابية لمشروع قانون البيئة الاستثمارية الجديد لعام 2022، تقدم رئيس مجلس النواب باقتراح مفاده منع الوزير من العمل في القطاع الخاص بعد خروجه من الحكومة لمدة ثلاث سنوات، وبأن يتم تضمين هذا المتقرح مدونة سلوك الوزراء.
إن التوصية بفرض قيود على الأعمال التي يحق للوزير ممارستها بعد تركه المنصب الوزاري تهدف إلى الحد من ظاهرة تعارض المصالح، واستغلال الوظيفة الوزارية لتحقيق منافع مالية وشخصية. فالوزير بحكم ترؤسه الوزارة وعضويته في مجلس الوزراء، يكون على اطلاع بكافة المسائل المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، والخطط السياسية والاقتصادية المتقرحة. بالتالي، فإنه يخشى أن يقوم بنقلها إلى القطاع الخاص من خلال التحاقه بالعمل لديهم بعد الوزارة.في المقابل، فإن المادة (44) من الدستور قد حظرت على الوزير أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما، أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي، أو أن يتقاضى راتبا من أية شركة. فالمشرع الدستوري قد ألزم الوزير بأن يتجرد من كافة مصالحه ومنافعه المالية عند توليه منصب الوزارة، وأن يستقيل من عضوية أي مجلس إدارة لشركة تجارية ومن أي وظيفة يتقاضى منها راتبا، وأن يتوقف عن ممارسة أي عمل أو مهنة تجارية.فهذه القيود الدستورية المتعلقة بالمصالح المالية للوزير والتي يجب أن يتخلى عنها عند الانضمام إلى السلطة التنفيذية يجب أن يتم مراعاتها بعد تركه العمل الوزاري، إذ لا بد من السماح له بتأمين مصدر عيش كريم له ولأفراد أسرته، خاصة وأن أي وظيفة كان يمارسها أو عمل تجاري كان يحترفه قد تخلى عنه لغايات العضوية في مجلس الوزراء.وما يعزز من أهمية أن يقوم الوزير بتأمين مصدر دخل له بعد الوزارة أن قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 قد جرى تعديله في عام 2018 بحيث أصبح يشترط لاستحقاق الوزير راتبا تقاعديا أن يكون متقاعدا، أو بلغت خدماته في أي من المؤسسات الدستورية أو الوزارات والدوائر الحكومية أو المؤسسات الرسمية العامة أو المؤسسات العامة أو البلديات عشر سنوات.فهذا الإصلاح التشريعي في قانون التقاعد المدني فيما يتعلق بشروط استحقاق الوزير السابق لراتب تقاعدي يزيد من أهمية تنظيم عودته إلى سوق العمل بعد تركه الحكومة. فلا بد من الموازنة بين حقه في العمل بعد الوزارة والرقابة على عدم استغلاله منصبه الحكومي للحصول على وظيفة في القطاع الخاص مع شركات كبرى ترتبط بمصالح وعقود استثمارية ضخمة مع الحكومة والمؤسسات والدوائر الرسمية، وهو التخوف المشروع الذي أثاره رئيس مجلس النواب قبل أيام.إن أية قيود على عمل الوزراء السابقين قد لا يكون الخيار الأفضل تضمينها مدونة السلوك الوزارية، وذلك بسبب طبيعتها غير الملزمة. فهي عبارة عن مبادئ سلوك أخلاقية اختار الوزير أن يلتزم بها عند عضويته في مجلس الوزراء، ولا ترقى بطبيعتها إلى اعتبارها قواعد قانونية ملزمة يترتب جزاء مادي على مخالفتها.إن المبدأ القانوني المعمول به أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وأن مدونة السلوك قد جاءت خالية من أي نصوص عقابية في حال مخالفة أي من بنودها وأحكامها. بالتالي، لن يترتب على مخالفة الوزير السابق لأي أحكام تتعلق بشروط عمله بعد الوزارة في مدونة السلوك أي تبعات قانونية، ولا حتى سياسية باعتباره قد ترك المنصب الوزاري.ويبقى الأسلوب التشريعي الأمثل في التعامل مع المصالح المالية للوزراء السابقين في قانون الكسب غير المشروع، وذلك من خلال إلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية بعد تركهم الوظيفة الوزارية. فالقانون الحالي لعام 2014 قد تساهل إلى حد كبير في هذا المجال، بحيث ألزم الوزراء السابقين بتقديم إقرارات ذمتهم المالية وذمة زوجه وأولاده القصر خلال ستين يوما من تاريخ تركه الوظيفة أو زوال الصفة عنه. وهذه المدة قصيرة جدا لا يتحقق معها الرقابة على أعماله الوظيفية بعد الوزارة.أما قانون إشهار الذمة المالية القديم لعام 2006، فقد تضمن نصا قانونيا أكثر شدة يقضي بإلزام الوزير بتقديم إقراره المالي بصورة دورية، وخلال شهر كانون الثاني الذي يلي انقضاء سنتين على تقديم الإقرار السابق، وذلك طيلة مدة خضوعه لأحكام هذا القانون وعند تركه الوظيفة أو زوال الصفة عنه.إن التشدد في تقديم إقرارات الذمة المالية للوزراء السابقين وزيادة المدة الزمنية التي يتعين فيها إرسال هذه الإقرارات يعد من الوسائل الرقابية التي يمكن تفعيلها على عمل الوزراء في القطاع الخاص بعد تركهم المنصب الوزاري.
عمل الوزير في القطاع الخاص
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
عمل الوزير في القطاع الخاص
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي) ـ