ليس في الأمر دعابة بل هي «الحقيقة» التي أكد عليها الرئيس الأميركي بايدن, في «لقاء» بيت لحم الذي جمعه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, خلال زيارته القصيرة جداً لمدينة مهد السيد المسيح. لقاء لم يزِد عن 50 دقيقة في زيارة لم تستغرق سوى ساعتين, جاءت نتائجها باهتة ومُخيبة لآمال أهل السلطة, التي راهنت على فوز بايدن بالرئاسة خلفاً لصاحب صفقة القرن, الذي قاطعته ثم سارعت إلى إعادة علاقاتها مع ساكن البيت الأبيض الجديد, إلى أن فاجأها بعدم تنفيذ الوعود التي بذلها في شأن القضية الفلسطينية, وإن كانت رمزية بغير مدلولات سياسية, سوى وعده بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المُحتلّة.
تقاطعت التسريبات وما نشرته صحف ومواقع إلكترونية, إزاء ما قاله بايدن لعباس حول ملفات عديدة, بدا واضحاً تنصّل بايدن من كل ما قاله خلال حملته الإنتخابية, بل يخرج قارئ التصريحات العلنية التي أدلى بها جورج نول/رئيس المكتب الأميركي للشؤون الفلسطينية (داخل السفارة الأميركية في القدس) ونشرتها وسائل إعلامية فلسطينية يومي الخميس والجمعة الماضيين, رغم ما قاله المسؤول الأميركي/نول الذي حضر اللقاء بأن الحديث بين بايدن/وعبّاس كان «دافئاً، إذ هما يَعرِفان بعضهما منذ سنوات, وتحدّثا أنهما يعملان على الحل منذ فترة طويلة جداً ناقلاً عن بايدن قوله: انه سيُواصل العمل على هذا الأمر، وأن بايدن لا يلتزم بشيء لا يُؤمن به، مضيفاً أنه «كان واضحاً بشأن التزاماته بإقامة دولة فلسطينية وإعادة فتح القنصلية, وحل الدولتين وأعتقد (والقول للمسؤول الأميركي) أنه كان إيجابياً»؟.هل يمكن الرهان على كلام كهذا؟من السذاجة الذهاب نحو مربع التفاؤل أو حتى تصديق كل ما «سوّقه المسؤول الأميركي. لأنه يناقض نفسه بنفسه عندما كشف أمام عدد من الصحفيين الفلسطينيين/الخميس الماضي في رام الله, ان الرئيس الأميركي أكد أن «مطالِب» السلطة الفلسطينية، تحتاج إلى «صانع معجزات» لتحقيقها, مضيفاً أن بايدن قال حرفيّاً: هذه «أشياء» تحتاج إلى السيد المسيح صانع المعجزات كي يُحققها». وإذ ما صرفنا النظر عن الكلام المُنمق ومصطلحات «التعاطف الكبير» الذي أبداه بايدن تجاه الفلسطينيين وشعوره بـ"آلامهم» من الاحتلال الإسرائيلي، فإن ما أدلى به بايدن بعد ذلك، أطاح كل هذا الكمّ الفارغ من مشاعر التعاطف ووصف آلام الاحتلال الذي تدعمه إدارته, وقبلها إدارات جمهورية/وديمقراطية سابقة. خاصّة عندما يقول «إن هناك حدوداً لما يُمكن لواشنطن القيام به للضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال»... بل ذهب بعيداً في التمثيل ومحاولات إلغاء عقول الآخرين, في قول بايدن لعباس: إن واشنطن ضد الاحتلال وضد الاستيطان، لكن - أضاف بايدن - هناك مَن يعتقد أن الولايات المتحدّة قادرة على رفع الهاتف ومطالبة إسرائيل القيام بكذا وكذا، أنا أتمنى - واصل فخامته - لو كان الأمر على هذا النحو، لكنه ليس كذلك».إذ كانت الحال على هذا النحو، فلماذا إذاً يُمارس ضغوطه على عبّاس والتي جاءت على شكل «نصيحة»، عندما قال لرئيس السلطة: هناك تغييرات إقليمية تَحُدث وتحالفات تتغيّر وهندسة العالم في حال تغيّر مستمر، إن الطريقة - أضاف بايدن - التي ستَحصُل فيها على ما تريد، هو (الاعتراف) بهذه المتغيّرات والتكيّف معها».فهل ثمّة ما يمكن تفسيره في هذه العبارة المكثّفة, التي تستبطن الكثير؟ بل تدعو الشعب الفلسطيني ليس فقط إلى انتظار عودة صانع المعجزات سيدنا المسيح عليه السلام، بل وأيضاً دعوته للاستسلام ورفع الراية البيضاء, عبر الاعتراف بهذه التغييرات الإقليمية والتحالفات المتغيّرة، ونتائج هندسة العالم دائمة التغيّر؟.وإذ ردّ عليه رئيس السلطة بأنه تحت ضغط سياسي لتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، فقد سارع بايدن للقول: أنا أتفهم ذلك ولكنك - أضاف سيادته - لست الوحيد. شارحاً لعباس أوضاع العديد من القادة في العالم بمن فيهم بايدن نفسه.في السطر الأخير..لعل أطرف ما نقله جورج نول عن لقاء بايدن/عبّاس هو قوله: «أجرى الرئيس بايدن نقاشاً (استراتيجياً) مع الرئيس أبو مازن، وتحّدث عن التحديات الكثيرة التي نواجهها (جميعاً) في العالم وبخاصة الولايات المتحدة، مثل الاحتباس الحراري، التحوّلات السكانية بما فيها أزمات اللاجئين من سورية وافريقيا وأميركا اللاتينية. كما تحدّث عن التهديدات للديمقراطية وكيف أن الأنظمة الاستبدادية مثل الصين, يَشعرون بأنهم الطريق إلى المستقبل والديمقراطيات تحت التهديد، ثم تحدّث عن الحرب في أوروبا وكيف تؤثر على الطاقة وأزمة الغذاء».فـ«تأملوا» ودققوا في آلاعيب شراء الوقت لصالح تكريس الأمر الواقع الصهيوني العنصري الاستيطاني. وزعم بايدن في الوقت نفسه «عجزه» عن ممارسة أي ضغوط على قادة دولة الاحتلال.kharroub@jpf.com.jo