المتابع لمضامين البيانات وخصوصاً التصريحات/والإنذارات الصادرة عن موسكو, ليس فقط ما تُطلقه ناطقة الخارجية الروسية/زاخاروفا, وليس أيضاً ما يُواظب رئيس مجلس الدوما/فولودين التلويح به والتحذير منه, بل خصوصاً ما قاله الرئيس بوتين نفسه للمعسكر الغربي الساعي لـ«هزيمة روسيا», ودعوته لهم لأن «يُجرّبوا», ناهيك عما لا يتوقف ناطق الكرملين/بيسكوف توضيحه او التعليق عليه, ودائماً قوله إن لدى روسيا الكثير لتفعله في مواجهة الخطوات والقرارات الغربية/الأميركية العِدائية تجاه بلاده, إن لجهة العقوبات الاقتصادية والمالية, أم خصوصاً لجهة الضخ الغربي الذي لا يتوقف للمعدات والأسلحة العسكرية المتقدمة/كاسرة التوازن, التي تقدمها واشنطن وبريطانيا لأوكرنيا فضلاً عن الاتحاد الأوروبي.
يلحَظ/المتابع تصعيداً روسِيّاً مُبرمَجاً, تعكسه على سبيل المثال, ثلاثة مواقف روسية طازجة ولافتة في توقيتها ومضامينها التي لا تأتي صدفة بالطبع, بعد أن وصلت (أو تكاد) العلاقات الروسية الأوروبية وخصوصاً الأميركية/الناتو إلى نقطة اللاعودة، ليس فقط في إصرار إدارة بايدن على المضي قدماً بتسليح أوكرانيا ودخول الأقمار الصناعية الأميركية على خط إعطاء اوكرانيا إحداثيات مواقع الجيش الروسي وقوات جمهوريتي دونيتسك/ولوغانسك، بل وأيضاً في بذل كل ما يمكن أن يسهم في خنق روسيا عبر فتح «المزيد» من الجبهات لتشتيت جهودها وإرباكها على النحو الذي جرى وما يزال في إقليم/جيب كالينينغراد والحصار الذي تفرضه ليتوانيا على هذا الجيب التي تحدّه ليتوانيا من الشمال وبولندا الأكثر عداء وتحريضاً على روسيا/والروس.. جنوبا. دون ان ننسى ما تحاول واشنطن جر موسكو الى مواجهة في الشمال الشرقي لسوريا.تصريح ناطقة الخارجية الروسية/زاخاروفا بأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها، بإطلاقهم العنان لمواجهة «هجينة» مع روسيا بسبب أوكرانيا «يتأرجحون بشكل خطير على شفا صراع بين الدول النووية» يستبطن الكثير في شأن تشاؤم موسكو إزاء احتمال تراجع الغرب وبخاصة واشنطن عن سياساتها الاستفزازية المصحوبة بانخراط ميداني ومباشر في الحرب، خاصة دخول منظومة صواريخ/هيمارس الأميركية المعارك في منطقة خيرسون/مدينة نوفاياكا خوفكا حيث تم تشبيه الانفجارات فيها بتفجيرات ميناء بيروت. في وقت قالت فيه موسكو ان «القوات الأميركية تقف بشكل مباشر خلف المجزرة». الذي يعني كما قالت زاخاروفا صراعاً مسلحاً مباشراً بين القوى النووية, من الواضح - أضافت - إنّ مثل هذا الاصطدام سيكون مصحوباً بالتصعيد النووي، لافتة إلى أنّ «المحاولات لأغراض دعائية لتشويه منطقة الردع الذي تستند إليه التعليقات الروسية الرسمية بشأن القضايا النووية وتقديمنا كدولة تُهدد بالأسلحة النووية أمر غير مقبول على الإطلاق».تصريح كهذا صدر اول امس/الثلاثاء وكان سبقه تطور أكثر خطورة عندما بدأ أسطول بحر البلطيق الروسي مناورات عسكرية واسعة بمشاركة أسلحة جوية وبرية، ما عزز التوقعات بأنّ موسكو قد عيل صبرها إزاء وعود مفوضية الاتحاد الأوروبي بإيجاد حلّ للحصار الليتواني لكنّ شيئاً لم يتحقق، الأمر الذي قد يتدحرج إلى مواجهة عسكرية ربما تكون محدودة لكنها قد تنزلق إلى ما هو أسوأ كون ليتوانيا عصو في حلف الناتو، ما بالك إذا ما قررت روسيا/وبيلاروسيا المحاذية لليتوانيا السيطرة على الممر البري الذي يربط جيب كالينينغراد وبيلاروسيا والمعروف باسم ممر سوالكي والذي يبلغ طوله مئة كيلومتر تقريباً.. خاصة أنّ الرئيسين الروسي/والبيلاروسي اعتبرا حصار هذا الجيب مثابة إعلان حرب؟.يبقى تصريح الخارجية الروسية امس غير المسبوق في صياغته والمصطلحات التي تضمّنها على لسان مسؤول رفيع جاء فيه: «إنّ الخطوات التي ستتخذها موسكو رداً على العقوبات الغربية ضدها «قد تكون مؤلمة جداً»..مشيراً في شكل مباشر إلى مسألة باتت مصدر قلق وتخوف عميقين لدى دول الاتحاد الأوروبي وخصوصاً ألمانيا وفرنسا عندما اضاف المسؤول الروسي نفسه: أنّ «الجانب الروسي لم يتّخذ بعد إجراءاته بكامل قوته», لافتاً الى أنّ «من الواضح أنّ الدول الغربية تُرهق اقتصادها ومواطنيها بالخطوات المعادية لروسيا, مستطرداً أنّ ليس ذنب روسيا أنّ الأوروبيين قد يُواجهون شتاء بدون تدفئة وحرّ صيف بدون مكيفات هواء».هذا يعني بالضرورة «توقف إمدادات الغاز الروسية لألمانيا عبر خط نوردستريم/1 بعدما أعادت كندا توربين الضخ من كندا إلى ألمانيا, وبدء غاز بروم عملية صيانة هذا الخط الممتد في قعر البحر بين روسيا وألمانيا حتّى 21 الشهر الجاري, مع ارتفاع تحذيرات في أكثر من عاصمة أوروبية بأنّ موسكو «لا» تنوي إعادة الضخ بعد ذلك التاريخ «21/7 الجاري».ليس من قبيل المجازفة القول: إنّ احتمالات الصِدام بين المعسكر الغربي/بقيادته الأميركية وروسيا قد باتت اليوم ماثلة أكثر من أي يوم مضى، الأمر الذي ربما يُسرّع في بروز دعوات إلى حل سياسي للأزمة الأوكرانية, أو «انتصار» حزب الحرب/الاميركي الناتوي ما يأخذ الصراع إلى مرحلة خطيرة يصعب التكهن بالمدى الذي ستصل إليه.kharroub@jpf.com.jo