لعل التأخير هذه المرّة في إشهار خطة الإصلاح الإداري خير، فالمهم الخروج بشيء قابل للتطبيق وله أثر إصلاحي كبير في هيكل القطاع العام أكثر من الالتزام بمواعيد تظهر فيها خطط غير قابلة للتطبيق وسرعان ما توضع على الرف.
المعلومات الأولية تشير إلى أن لجنة إصلاح القطاع العام أنهت أعمالها في شهر حزيران، وكادت تطلقه حسب الموعد الذي كانت الحكومة قد أعلنته عند تأسيس اللجنة، لكن تدخل إحدى المرجعيات العليا بعد الإطلاع على تفاصيل الخطة، أَخَّر من إشهارها نتيجة ملاحظات عديدة على الكثير من بنود الخطة التي دخلت الآن في غرفة التعديل الجراحي عليها، وهذا هو السبب الرئيسي في تأَخَّرها عن موعدها.لكن بما أن الخطة لغاية الآن لم تشهر وهي في طور التعديل، فلا يوجد ما يمنع من التطرق إلى سلسلة مرتكزات من المنطق أن تكون قد استندت عليها خطة الإصلاح الإداري.أهم شيء في عملية الإصلاح الإداري هو الخروج من عباءة وقيود خطة الإصلاح الإداري التي أطلقتها حكومة البخيت الثانية، والتي تعتبر إحدى أهم العقبات في تطور عمل القطاع واستقطاب الكفاءات نتيجة للقيود الصارمة التي فرضتها، وغيرها من القيود التي ساهمت في هجرة العقول والخبرات، مقابل ترقية أصحاب الواسطات والمحسوبيات بموجب أنظمة الترقية التلقائية المعمول بها.منح الصلاحيات في التعيين للجان مركزيّة تتبع لكل وزارة ومؤسسة على حدة تكون قادرة على وضع معايير خاصة باحتياجاتها التوظيفيّة بدلاً من عمليات التساقط اللاإداري على مؤسسات القطاع العام.تفعيل مبدأ العقاب والثواب للموظف العام وإزالة الحصانة التي يتمتع بها بشكل غير مباشر، وهذا لا يكون إلا من خلال زيادة عمليات الرقابة على الأداء العام.الحكومة بحاجة لاتخاذ خطوات جريئة في محاربة المحسوبية والواسطات في التعيينات مهما كانت مستوياتها الوظيفية، فهذه مسألة حساسة جداً عند الأردنيين، ولا أبالغ إن قلت إنها أحد أكبر العوامل لهدم جدار الثقة بين الحكومة والشّارع في السنوات الأخيرة، نتيجة التعيينات العشوائية التي حدثت في داخل جسم القطاع العام.عمليات الدمج للمؤسسات والهيئات المستقلة يجب أن تكون مدروسة بشكل علمي وليس عشوائيا كما حدث في البعض خلال المرحلة الماضية، فقد ظهرت الحاجة ملحة بعد عمليات الدمج التي حدثت بأن هناك مؤسسات لا يمكن الاستغناء عنها حتى بعد دمجها كما في هيئة التأمين على سبيل المثال، مقابل أن هناك مؤسسات وهيئات تستدعي الحاجة لإلغائها وتحويلها لأقسام صغيرة داخل بعض الوزارات، لذلك عمليات الدمج يجب أن تكون مبنية على أسس الحاجة الفعلية للاقتصاد وخدمة القطاع الخاص وليس نتيجة قرار عشوائي بضرورة الدمج والإلغاء دون معرفة حقيقة أهداف هذا الدمج أساسا.الأهم من ذلك هو أن عمليات الدمج التي حدثت كان أثرها المالي محدودا للغاية إن لم يكن معدوما في بعض العمليات التي حدثت، وهذه نقطة أخرى، فإذا لم يكن هناك أثر مادي إيجابي على الخزينة فلا داعي لهذا الدمج أصلا، فأكثر مشاكل القطاع العام هو الحجم البشري الكبير فيه والذي لا يتناسب أبداً مع احتياجاته الفعلية.تعزيز مبدأ التمايز الماليّ المستحق للعاملين في القطاع العام المعتمد أساسا على الكفاءة والإنتاجية وخدمة الجمهور، كلها معايير يستوجب على الحكومات النهوض بأسس استقطاب الكفاءات والخبرات وتمييزهم ماليا عن غيرهم ممن لا يعملون بالشكل المطلوب.لا داعي للاستعجال في إقرار خطة إصلاح القطاع العام، والعمل على مزيد من المشاورات والتعديلات، فالأصل أن تكون هناك أرضية وإرادة قوية لتطبيقها بما يعود بالنفع على الاقتصاد والتنمية وخدمة القطاع الخاص والجمهور.
الإصلاح الإداري.. لعله خير
مدار الساعة (الغد) ـ