أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

سؤال أمام دولة المصري

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

نشر دولة السيد طاهر المصري مؤخراً مقالة عن « فداحة العجز العربي وكارثية اللحظة الراهنة» استهله بالقول « يحار المرء من أين يبدأ في قراءة الأحوال العربية.. ولعل الحيرة لا تكمن في تعدد الأزمات والمشكلات العربية المتفاقمة وضرورة معالجتها فحسب بل في وصولها إلى مستويات كارثية غير مسبوقة». ثم أفاض دولته في تعداد الأزمات العربية وأحسب أنه يوافقني الرأي بأن الواقع العربي لم يعد بحاجة إلى مزيد من التذكير بكوارثه, بعد أن أتخمناه قراءة حتى صارت صورة هذا الواقع شديدة الوضوح عند أعمى البصر والبصيرة, حتى لو كان هذا الأعمى معتزلاً في أعماق الربع الخالي, أو وراء جبال الجليد في القطب, غير أن العيب أن لم يكن كل قراءات الواقع العربي أنها توقفت عند ثلاثة حدود لم تبرحها. أولها حد وصف الواقع وما فيه, وهو ما فعله دولته في مقالته المشار إليها.

الحد الثاني الذي لم تبرحه قراءات الواقع العربي هو جلد الذات, من خلال الاكتفاء بإبراز ما في هذا الواقع من مثالب, وما يعانيه من كوارث بصورة محبطة, تكاد تقول للقارئ أو السامع أنه لا أمل, فجل الكتابات التي تقرأ في الواقع العربي تذهب هذا المذهب, أعني مذهب التيئيس وإضاعة الأمل.

الحد الثالث الذي لا تبرحه القراءات في الواقع العربي, هو حد التلاوم ورمي التهم على الآخر, وتحميله مسؤولية ما وصلت إليه أمتنا من تدهور وهوان, والآخر هنا هو المستعمر والعدو الخارجي عند البعض, أما عند الجميع فإن الآخر هو أبناء أمتنا باستثناء المتحدث خطيباً كان أم محاضراً, وباستثناء الكاتب باحثاً كان أم غير ذلك, فكل من يتحدث عن واقع الأمة يلوم سائر أبنائها ويتهمهم ويستثني نفسه أو حزبه أو عشيرته, متناسياً أن الأمة هي هؤلاء جميعاً وأن إصلاح المجتمع, « أي الأمة « يبدأ بإصلاح كل فرد منها بنفسه أولاً, لذلك جعل الله التكليف تكليفاً فردياً, وجعل الحساب فردياً من هنا فإننا نستطيع القول بأن جميع أبناء الأمة مسؤولون عن تردي واقعهم, وإن تفاوتت درجات المسؤولية بتفاوت درجات الوعي وهي مقدمة على درجات السلطة والمال, فكم من صاحب سلطة أو مال يفتقر إلى الوعي, الذي يجعله قادراً على إدراك ما هو فيه من خطر وهوان, وبهذا فإن مسؤولية دولة السيد طاهر المصري كبيرة, لجهة العمل على الخلاص من الواقع الذي أفاض وصفه في مقالته, خاصة عندما ذكر بعض ملامح العمل فأشار إلى « محاولة قومية جادة لوقف هذا الانهيار غير المسبوق» وعندما تسأل قائلاً « أين رجالات الأمة والدولة والحكمة» وعندما تسأل « أما من صوت عاقل يصرخ في برية عرب هذا الزمان؟ « وعندما تسأل « أما من محاولة جادة ويتيمة لوقف عجلة هذه الانهيارات» ثم عندما قال « لا رغبة لدي في تسمية أحد من سياسيي ومفكري وحكماء هذه الأمة, وهم كثر الذين يمكن لهم إذا تضافرت جهود البعض منهم أن يقوا هذه الامة شر توالي انهياراتها وكوارث استمرار التدخل الإقليمي والدولي في ما تبقى من وجودها», وهذه فقرة نظن أنها تحمل في طياتها اتهاماً صريحاً وواضحاً لمن أسماهم دولته « سياسيي ومفكري وحكماء الأمة» والسؤال الذي نطرحه عليه أليس هو واحد من الذين يجمعون الصفات الثلاث فهو سياسي ومفكر وحكيم, يمتلك شبكة واسعة من العلاقات مع هؤلاء الذين ذكرهم, فلماذا لا يبادر إلى محاولة دعوة أضرابه لمثل هذا العمل؟ وأنا أعلم أن بين يدي دولته مشروع متكامل, وضعته أمامه جهة محترمة, طالبت منه أن يساهم في جهد يصب في تحقيق هدف مقالته التي نحن بصددها, وهو جهد يحقق ما ذهب إليه عندما ختم مقالته بـ « أن ضميري ووجداني يمنعانني من الصمت أمام ما أرى وأسمع وأحس» وهنا أقول لدولته إن التبليغ ليس كافياً في كل الحالات, ولنا في رسول الله محمد عليه السلام القدوة والمثل, فهو عليه السلام لم يُشهد ربه على قومه إلا بعد أن استنفد جهده عملاُ متواصلاً سلماً وحرباً, حتى إذا ما وصل الأمر مداه قال « اللهم فاشهد «, فهل قام أحدنا بما يؤهله ليقيم الحجة على غيره من أبناء الأمة؟

الرأي

مدار الساعة ـ