مدار الساعة - كتب: عبدالله اليماني
من يحب الجيش، يحب الحياة، يحب الرجولة، في أن يكون رأسه دائما مرفوعا، العسكرية تعلمك معنى عبق الأرض وعطائها، عندما تغطي السماء الغيوم المحملة في الأمطار، وكيف أنها مسيره في توزيعها هنا وهناك هكذا هم ( العسكر).
من يحب الأردن، وطنا مزدهرا خيرا آمنا مستقرا، يحب الجيش، لان الجيش هو الأردن والأردن هو الجيش، يقف إلى جانبه، وهو يتصدى لقوافل الشر والإجرام. هؤلاء رفاق السلاح (عاملين ومتقاعدين)،فإذا كان لديك حقد عليهم يتوجب عليك الرحيل.
أما ان (يستأهلوا أو لا يستاهلوا)، فهذا لا يقرره الا كل جاهد وحاقد. فتراب الأردن والوطن العربي، والعالم يعرف جيدا أن تضحياتهم وغزارة دمائهم وأعداد أرواحهم التي قدموها. لا حصر لها. وهذا يا أيها الحاقد...متقاعد من رفاق السلاح، بقي أسير سريره عشر سنوات، يحلم في أن يرى عتبة منزله الذي شيده من عرق جبينه (تعبه) وهو في العسكرية، أيام عنفوان شبابه، اليوم يحلم رفيق السلاح، في كرسي كهربائي، وليس كرسي (منصب سياسي)، يكذب من خلاله على الأقل منه مكانة.كرسي يحرك مشاعره يجدد من خلاله حياته، بدلا من يتمنى الرحيل من هذه الدنيا التي لم يعد يرى فيها إلا زوجته وأطفاله الصغار الذين واحدهم لا يستطيع أن يقدم له الماء والدواء والطعام، وزوجة تحرك جسده ذات الشمال واليمين.من يعرف العسكرية، يعلم جيدا أنه لا يوجد شيء مستحيل، نفذ ثم ناقش، فإذا كنت في معركة، أيا كانت خطورتها، عليك خوضها، ومن ثم تدرس نتائجها وأخطاءها التي وقعت فيها لاحقا.هكذا هي أيام الشباب، وخاصة أيام الحياة العسكرية، لا يوجد شيء أمامك مستحيل، وهكذا هم العسكر عندما يكونوا على راس عملهم تجد (كل الألقاب، يحظون فيها ) فاللباس العسكري، له سحر خاص (هيبة ووقار)، وعندما تغادر مكانك بين العسكر، وتحال على (المعاش) يلقبونه بـ (مت قاعد).اكتب اليوم عن (مت قاعد) غادر مكانه من دون رتبة عسكرية، نظرا إلى تقاعده، لكن وفاء الرجال الاصيلين، أمثال مدير جمعية الملكة رانيا العبدالله لرعاية العسكريين العقيد الركن سعود خليفة الخلايلة. واحد من الذين دفعه واجبة الإنساني والعسكري. لان (نفس الرجال يحيي الرجال). أن يرد الجميل لهذا (المت قاعد) في زيارته والوقوف على معاناته واحتياجاته وتذليل الصعوبات التي قد تواجهه، وتلبية طلباته.وهذا الموقف الإنساني النبيل من رجل عسكري من طراز شهم وأصيل، ادخل البهجة والسعادة في قلب المتقاعد العسكري، وأعطى انطباعا كريما عن القوات المسلحة الأردنية الباسلة أن (الجيش العربي) وقائده الأعلى الملك عبدالله الثاني حفظة الله (لا ينسى) من كانوا في الأمس بين صفوفه وهم جيش ( المتقاعدين ).وهذا العمل الطيب المبارك جعل أهله وأقاربه ومحيطه يرون بان (وفاء العسكر) لا يتوقف ولا يمنعه المستحيل). هذه الخطوة أشعرت المتقاعد أن مكانته عند رفاقه لا زالت محفوظة ومقدرة، وأعادت له الحيوية والنشاط، ودبت الحياة فيه من جديد فيه، بعد أن كان لا يقوى على مغادرة سريره، فسر سرورا كبيرا في هذه الزيارة، وما قدموا له فيها.حلم يتحققالعقيد سعود ما أن قرأ الدراسة الاجتماعية التي أجرتها الجمعية، وهو يفكر كيف يخدم هذا الإنسان؟ وماذا يقدم له؟ والذي يقدمه، هل يوفيه حقه، في تعب السنوات التي أمضاها في العسكرية ؟اسئله كثيرة كانت تجوب في مخيلته، في تلك الليلة، تارة ينتابه القلق والحيرة، وتارة أخرى يدعو الله أن يعينه على رضاه، وإرضاء هذا المتقاعد، يأرب اعني على تذليل حجم المأساة التي تصيب هذا المتقاعد العسكري.ينطلق العسكر قبل طلوع الشمس، هكذا هم أبناء الحراثين (العسكر)، يحبون أن يصبحوا على الوطن، قبل أن تدب الحركة فيه، هم وحدهم الذين لا ينامون، يسعدون عندما تغمض، عيون الوطن في امن وسلام، ومحبة وازدهار، ولا يرتاحون إلا لما يقطعوا، كل يد تمتد عليه، بسوء، (يسبعون ) ترابه الطهور، من دنس إن أصابه دنس، بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة.يتحرك النشامى متوجهين إلى شمال الأردن الحبيب، يطوون المسافات،سعود بيك، وفريقه ودورة الركن التي اجتازها سعود بيك كانت مليئة بالفرضيات والمعضلات وعشرات الأسئلة والحلول والإجابات والمناقشات، كانت حاضرة تدور في رأسه، وهو في الطريق، إلى بيت ذاك المتقاعد، بهدف انجاز المهمة الإنسانية. لهذا المسن العاجز.هذا المتقاعد يرقد على سريره، ليل نهار منذ عشر سنوات، لا يفارقه لحظة واحده، ولكن في تلك الليلة راوده (حلم) غير الأحلام والهواجيس، التي يعيشها في منامة، سواء مزعجة (مفزعة)، أو (حلم) يتذكر فيه أيام العسكرية، وهو يفكر في الغد، ماذا سيحمل له يا ترى ؟هل تأتي تلك اللحظة التي يستطيع فيها رؤية (عتبة) منزله التي منذ عشر سنوات وهو يتمنى أن يراها؟(يا رب فرجك...يا رب كرسي اسود ).. والذي يرجو الله، فان الله لا يخيب رجاه.في صباح ذاك اليوم الرائع، كروعة العسكر، في ميادين العز والكرامة والرجولة، كان نشامى جمعية الملكة رانيا العبدالله لرعاية العسكريين، وفي مقدمتهم العقيد الركن سعود خليفة الخلايلة يتوجهون إلى شمال الأردن الحبيب، وهذا عائد بفضل شعوره العميق في المسؤولية الملقاة على عاتقه، تجاه الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة، وعمله في الجمعية مديرا لها اكسبه عشقا لعمل الخير، ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين عاملين ومتقاعدين، فإذا العسكر هم حماة الوطن، في كل الأوقات والظروف، فهم في ميدان العمل الإنساني لهم، باع طويل سطروه بحروف تخرج من قلب ملهوف، فهم دائما همزة الوصل التي تنقذ الغارقين في ماسي الحياة، تنقل المحتاجين من مخاطر العزلة والمرض والنسيان، والاهم من هذا وذاك الحرمان، إلى بر الأمان.لم ينس، انتباه، عرش، ارفع راسك، ولكن مع تقدم العمر والأمراض، جعلته أسيراً لا يقوى على الوقوف، يؤدي التحية العسكرية التي يتبادلها العسكر فيما بينهم. وكأنها ما زالت تتردد على لسان كل متقاعد عسكري.وبنفس الوقت يحدث أطفاله الصغار وهو يقول لهم : (شايفين) وفاء العسكر لإخوانهم العسكر، ترى يا أولادي ( الوفا ) مزروع في العسكر مثل شجر الزيتون، دائما يعطينا من ثماره زيت وزيتون.(شايفينهم هذول) رفاقي في السلاح جايين يشوفوني يطمئنوا علي، بارك الله فيهم ورب يحفظ جلالة الملك عبدالله الثاني قائدنا وتاج رؤوسنا)).حب الجيش، من حب الوطن، فكل شيء في الحياة، يتم في إرادة الله، فهو الذي يضبط إيقاع العيش الكريم والتحكم فيه. عند الله عزوجل لا تنفع الأوسمة ولا النياشين ولا شهادات التقدير، والتكريم ولكن الذي ينفع هو إطاعة الله، ورسوله والعمل الصالح،( البر والإحسان).هناك في جمعية الملكة رانيا العبد الله لرعاية العسكريين وقائدهم العقيد الركن سعود خليفة الخلايلة، أبطال حقيقيون، يجوبون ربوع الأردن يتفقدون العسكر رفاق السلاح عاملين ومتقاعدين.هذه قصة متقاعد، وهناك قصص أخرى، ولكنها متشابهة، من خلال الوصول لها تستطيع أن تجدد الحب في وجدانها، وبإنسانيتك تقترب منها، فالإنسانية أقوى من الطعام والشراب والملبس، إنها دفء الحياة.هذه قصة من، القصص الإنسانية، قصة كرسي (لونه اسود رآه في المنام ). قصة رجل عمره 68 عاماً متقاعد عسكري زوجته تخدمه كانت جل (أمنيته) أن يرى عتبة منزله.هؤلاء رجال الملك عبدالله الثاني حفظة الله ورعاه، حققوا له هذا الحلم الذي لا يعرف أنهم احضروا له الكرسي ذا اللون الأسود الذي حلم فيه. ( قدموا له كرسياً كهربائياً متحركا) تجاوز من خلاله عتبة منزلة بعد حصوله عليه، حيث لم يعودوا يشاهدونه في المنزل.رجعت له الروح والحيوية والنشاط، حيث يقضي وقته خارج منزلة في المسجد يصلي ويراقب الناس الذين كان محروم من رؤيتهم جراء المرض.( 10) سنوات أبعدته عن الناس وبقيت وزوجته تقلبه ذات الشمال وذات اليمين. هذه قصة من القصص التي تعاملت معها الجمعية، قصة تحرق القلب، وتدخل القلب من دون استئذان.قد لا تكون مشابه لحكايات أخرى، ولكنها واحده من حكايات، التي أبطالها أناس من المجتمع. تابع أحوالها نشامى جمعية الملكة رانيا، وهي واحدة من حالات كثيرة. تتعدد الماسي وهذه واحدة من الماسي التي يعاني منها الإنسان.العقيد سعود رجل المهمات الصعبة، يعشق العمل مثلما يعشق (الميدان ) الذي تخرج منه، يطلع على حجم العمل، والانجازات التي تقوم فيها الجمعية، في المجال الاجتماعي، ويتطلع إلى المزيد من الأعمال التي، تخدم زملائه العاملين والمتقاعدين، وهو على تواصل تام مع الجهات ذات العلاقة، التي تعنى في العمل الإنساني كافة. من اجل مساعدة كل من هو بأمس الحاجة للمساعدة، وخاصة تلك الفئة التي تعاني.عمله الإنساني هو الركيزة الأساسية لأنه في صلب عمل الجمعية. وخاصة تلك التي صوتها يختزنه الحزن والألم (حزينة وخائفة ) خوفا ليس له حدود. والإنسان الذي يعيش القلق والخوف لا يمكن له أن ينسى ما حدث أو يتجاهله لان شعوره في الخوف والقلق يلازمانه مدى الحياة.إنها صورة تدمع عينك، وأنت تشاهد الموقف الإنساني الصعب. فالجمعية تعيش الكثير من القصص المؤلمة. يشاهدون على أجسادهم الهزيلة (الجوع والمرض والفقر والحرمان ) من هنا تكون أولويتها إنقاذ حياتهم، وتزويدهم بالمساعدة الإنسانية.لإنقاذهم من أسوا مراحل حياتهم، هذا فصل (مأساة إنسانية) من بين عدة فصول أخرى، إنها فترة العيش مع صراع البقاء.قصة بدأت وقصص لم تنته بعد، أبطالها أناس يعيشون العذاب والقهر ويرون الدنيا أمامهم ظلام دامس، لحظتها يتمنون الموت لأنة هو الوحيد الذي يرتاحون مما يعيشون فيه.حياة صعبة ووضع مالي واقتصادي خانق.صرخة تدوي هنا وهناك :رد لي روحي يا رعاك اللهاسعد الله أيامك يا سعودفي كل صلاة وسجوديا راعي الوفا والكرم والجودانتم جيشنا أبطال واسودتملئون الآفاق برق ورعودلقد عاد سعود ورجاله، بعد أن زرعوا الابتسامة على شفتي (المت قاعد) مليئة في الفرح وقد عاد، وهو يردد تلك الكلمات التي دوت في اذنية من قبل هذا المصاب.حيا الله الجيش العربي، وعاش الملك عبدالله. وحفظ الله الأردن راياته ترفرف عاليا.