أرواح تسقط؛ وأرواح بكل أحلامها وطموحاتها تسقط فجأة، ونسقط معها، منّا من انشطر قلبه، إذ سمع عن حادثة الرمثا، تجد أب يقتل طفلتيه تعذيباً ثم يدفنهما في فناء المنزل، ولم تمضِ أربع وعشرون ساعة على الكشف عن الحادثة، حتى راح القلب يتحطّم؛ وتجد مجدداً والد في السبعين من عمره يقتل ابنيه الكبيرين في السن أيضا، والخلاف: دنيا.
كل ما يمكن أن يقول عن الجريمتين قيل؛ وقيل أكثر أن ثقافة القطيع في ظل مناخات سوداء سائدة تفعل أفاعيلها بالناس، ويصح اليوم القول للمسؤول: ألم نقل لكم، فالمتهم الرئيس ليس القرش؛ أي قرش يدفع الناس لقتل بعضهم بعضاً، إنما المتهم الرئيسي قاعدة بيانات متعددة الأسباب كلها تتجمع لتشكل ركن الجريمة، صرنا نقتل بعضنا بعضا، ونلاحظ أن الجريمتين أسريتين مروعتين وداميتين، ضمن سلسلة جرائم من هذا النوع تشهدها البلاد؛ حيث أطلق رجل النار على اثنين من أبنائه ما أدى لقتلهما في منطقة راجب.كثيرون بيننا قد فقدوا الرادع الديني أو الاخلاقي، بعد أن فُرِّغت الأسر من جوهرها والمدرسة من مضمونها، والمسجد من دوره، نَظَرَ فلم يجد ما يخسره، إلا الخطوط الحمراء فهشّمها.نحن لا نتحدث عن جريمتين وقعتا خلال أسبوع، بل عن جرائم أكثر من ذلك في جريمتين، فهل سيسأل أحد منا عن الحياة التي سيعيشها الطفلتين الباقيتين من "أسرة الرمثا". منذ أن فعل الاب فعلته، وقد بثّ في روحهما كابوس متنقل سيرافقهما للأبد؟ وماذا عن عائلات وليس عائلة جريمة راجب؟ هنا القتل كان برصاص انشطاري، قتل حياة العشرات من أفراد عوائل الضحيتين والجاني معاً. لا يكفي اليوم القول عن سبب واحد يوزع الموت على الروح الاردنية، إنما نتحدث عن أسباب تشكّلت جميعها لتصوّر لنا المشهد المرعب، بداية من الأسرة مروراً بالمدارس، والإعلام والأدبيات التي يتربى عليها الفرد الأردني، وليس نهاية في المساجد التي نفّسوا دورها فلم يعد إلا لأداء الصلاة، وهي أوسع دوراً من الصلاة فقط، حتى إذا حضرت المخدرات، اكتملت ادوات الجريمة كلها، وبات المجتمع جاهز ليستفيق على جريمة تلو أخرى.وحتى تبدو الصورة اكثر رعباً، فليس المجتمع الاردني وحده من يعاني من هذه البشاعة، فقبل أن يقتل القاتل المرحومة " إيمان" طالبة جامعة العلوم التطبيقة هددها: سأقتلك كما قتلت الطالبة المصرية نيرة أشرف، نحن لا نتحدث عن عدوى القطيع الاردني، بل العربي، بل العالمي. وقد شهدنا أيضاً قبل يومين أن مجنون أمريكي قد أفرغ 70 رصاصة من بندقيته خلال احتفالات عيد الاستقلال في الولايات المتحدة الامريكية، وكما أن العالم بات حارة واحدة. باتت العدوى فيه تنتقل من مجتمع لآخر، خاصة وأن كثير من الظروف المعيشية والاقتصادية تكاد تكون متطابقة، فإلى أين تمضي بنفسها المجتمعات البشرية. سؤال يحتاج للكثير حتى نجد إجابته الحقيقية.
جرائم القتل؛ عدوى قطيع عالمية، فإلى أين تمضي المجتمعات البشرية بالانسان؟
مدار الساعة ـ