شاهدت صباح أمس, تسجيلا على (التيك توك) لفتاة أردنية.. عن (سحاب), تحدثت عن عادات الناس والطعام وعرضت مشاهد الأضاحي, والأطفال الذين يتجولون في شوارعها..
بصراحة تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها (تيك توك), بمحتوى غريب وفريد وله قيمة.. (تيك توك) لا يحتوي على (مياصة), ولا على تفاهة.. ولا على هبوط.بمناسبة الحديث عن سحاب, أنا اسميها المدنية (الحانية).. هي الوحيدة التي حين تزورها يتقاذفك الناس, الكل يصر على دعوتك.. تشعر أنهم لفرط كرمهم يريدون اختطافك, وهي المدينة الوحيدة التي تحب أن تجلس في شوارعها وتراقب الذين يعبرون الأزقة والحارات, كلهم يعرفون بعضهم ويسلمون على بعضهم... وهي المدينة الوحيدة التي لا يرحل عسكرها ترابها, وحين تراهم يعودون إليها في سويعات المساء, تحس أن الشمس تتأخر قليلا في مغيبها حتى تضمهم ولو قليلاً... والأهم أن أهل سحاب لم يهاجروا, ولم يأتوا لعمان الغربية ويقيموا منازل الكرميد الفخمة ظلوا فيها أوفياء لأهلهم ولترابها..غادرها حمد أبو زيد (ابو صايل), وهذا الرجل كان أهم من كل المؤسسات الإعلامية, فأنت حين ترى صورته في الجريدة أو تشاهده, تعرف أنه الشيخ الجليل (ابو صايل), في حين أنك لكثرة الإذاعات والصحف ولكثرة اللهجات في إذاعتنا لم تعد تعرف هوية الإعلام, بالمقابل حمد ابو زيد كان تعبيرا صادقا عن الهوية.. كل شيء قد يتبدل في الدنيا إلا الأردنية التي كانت تسكن فؤاده.. أتذكر أنه جاء مع مجموعة من الناس ذات يوم لإخراج موقوف من محافظة العاصمة, ظننت في البداية أنهم اقرباء له.. وحين سألته, قالي لي: لا أعرفهم جاءوا إلى مجلس النواب (وانتخوا بي) فمشيت معهم.. هكذا هم الناس في سحاب, وهكذا هو ترابها يحن على كل البشر.منذ عام لم اسمع أن مسؤولا زارها, وهل تحتاج سحاب لزيارة مسؤول؟... هل تحتاج لمهرجان ثقافي أو لبعض الإحتفالات؟.. كلا هي لا تحتاج ذلك, لأنها من مخازن الولاء والوفاء الضخمة في هذا الوطن, ولأن أهلها لم يتغيروا.. ظلوا على شيمهم, وأخلاقهم.. ظلوا مثل النجمات في بلادنا لا تغير أماكنها, ولا يتغير الألق في وميضها.. وتبقى خارطة للعشق والدروب, ومسير القافلة..في الصيف, وحين تندلع المواسم في عمان... مواسم الغناء والفرح, أجد فرحي في سحاب.. عند (المحارمة, أبو صبرة).. عند كل العشائر النقية هناك, على الأقل يعلمونك ألق الهوية, يعطونك درسا في الأخوة والوفاء.. يعلمونك الرضى أيضا, والصبر.. وهل هناك أجمل من صبر سحاب في هذا البلد؟لا يوجد مناسبة دفعتني للكتابة عن سحاب؟ كلا تلك المدينة لا تحتاج لمناسبة كي اكتب عنها... تحتاج فقط أن نحبها كما أحبتنا.. فهي التي غيرت ولم تتغير, ما زال الشماغ شامخا على رؤوس أهلها والصبية الذين نضجوا للتو.. ما زالوا يزينون شوارعها وترابها... وروح حمد أبو زيد ما زالت تطوف في الأحياء, تصلح ذات البين وتلم الناس على مناسف طبخت بالحب والصبر... وتسري مع الفجر لقضاء حاجات الناس, ولدمل جروح من غدرت بهم الأيام... ومن ظلمتهم الأقدار..حمى الله سحاب.Abdelhadi18@yahoo.com