أما «السيدة» فهي ديبورا ليبستادت، المبعوثة الأميركية الخاصة بـمكافحة «مُعاداة السامِيّة", التي بدأت للتّو جولة شرق أوسطية تشمل عدة بلدان عربية, إضافة إلى إسرائيل بالطبع وقد تُعرّج على رام الله للإلتقاء بمسؤولي السلطة هناك.
توقيت زيارتها الأولى للمنطقة قبل أسبوعين تقريباً من زيارة الرئيس بايدن «التاريخية» وكما نتوقع أن يتمّ وصفها نظراً لجدول أعمالها الحافل, الذي تمّ إعداده بعناية ليكون مُؤسساً لمرحلة جديدة وغير مسبوقة في تاريخ المنطقة العربية)، مقصود هذا التوقيت بذاته ولذاته خاصة في هدفه المثير الذي تحدثت عنه السيدة ديبورا, في مقابلة هاتفية مع وكالة أنباء أميركية تغطي قضايا الدين اسمها «خدمة أخبار الدين»، جاء فيها: إنّها -ديبورا- تحاول معرفة ما إذا كانت هناك طُرق يمكننا من خلالها معالجة تطبيع (مُعاملة) اليهود والتاريخ والثقاف? اليهودية –مضيفة- إنّ لليهود تاريخ غنيّ في هذه المنطقة، ويجب أن يكون ذلك جزءاً من الحديث أيضاً (تقصد حديثها مع مسؤولي الدول العربية التي تزورها).السيدة ديبورا «باحثة» في معاداة السّامية وأكاديمية في جامعة إيموري, تم تعيينها مبعوثاً خاصاً لمكافحة مُعاداة السامية, كمنصب تمّ تأسيسه رسمياً عام 2004, في عهد جورج بوش الابن. الهدف الأميركي من استحداث منصب كهذا هو تعزيز السياسة الخارجية للولايات المتّحدة بشأن معاداة السامية... في «الخارج».ذلك كله يندرج في إطار الهوس الأميركي المعروف في دعم المشروع الصهيوني, العنصري الاستيطاني/الإحلالي، وصرف النظر عن جرائم الحرب والارتكابات التي تمارسها دولة العدو الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني، بل إنّ مهمة السيدة ديبورا تتجاوز الجانب السياسي والدبلوماسي الذي «أنجزته» اتفاقات أبراهام, إلى ما هو أبعد أثراً وتأثيراً وهو اعتبار التاريخ والثقافة اليهودية جزءاً من تراث المنطقة العربية، على نحو يتمّ فيه دمج إسرائيل (الكيان غير المعروفة حدوده) في نسيج المنطقة, وربما يتم لاحقاً فتح الطريق أمامها للانضمام إلى جامعة ال?ول العربية, بعد نزع صفة «العربية» عن اسمها ليصبح –مثلاً- جامعة الدول الشرق أوسطية.ليس غريباً والحال هذه أن تقول السيدة ديبورا أنّ «اليهود لا يَظهرون كضحايا، يبدو أنّهم في وضع جيد وقادرون على الاعتناء بأنفسهم، يتساءل –أضافت- الناس هل هذا شيء خطير؟ وأنا أقول –تستطرِد- نعم إنّها قضية خطيرة للغاية، مُشدّدة على أنّ محاربة السامية «لا» تتعلق فقط بحماية أرواح اليهود، بل تُعتبر تهديداً للديمقراطية والأمن العالمي واستقرار المجتمع»..هنا تظهر–من بين أمور أخرى–الأبعاد الخطيرة التي تستبطنها تحركات أميركية – بل وأوروبية غربية أيضا- في رفع «سيف» معاداة السامية، والمُسارعة الهستيرية لوصم كل من «ينتقد» ارتكابات إسرائيل وجرائمها بمعاداة السامية, عبر التشهير به حدود الشيطنة والنبذ والمقاطعة الشاملة على النحو الذي يتمّ تطبيقه في فرنسا على كل مَن ينتقد سياسات إسرائيل والحركة الصهيونية، ناهيك عن منع ومحاربة أي نشاط أو تظاهرة سلمية أو احتفال لقوى وأحزاب وحركات تناصر قضية الشعب الفلسطيني, وتدعو لوقف الاستيطان والاعتقالات ومصادرة الأراضي, وحتّى «حظر?ومنع» الاحتفال بذكرى النكبة الفلسطينية, كما حدث في ألمانيا بذريعة أنّ ذلك قد ينتهي برفع شعارات ضد إسرائيل ومُعاداة السامية.قبل الختام... ثمة مشروع قانون أكثر غرابة واستفزازاً وكاشفاً عن عمق التغلغل الصهيوني في النسيج السياسي الأميركي، إذ تقدمت «عضوة» الكونغرس عن الحزب الديمقراطي ديبي شولتز/وهي يهودية في 29/4/2022 بمشروع قانون «جديد» للكونغرس لـِ"تمويل» أبحاث وتوعية تتعلق بانتشار «مرض العقم الإيجابي» لدى اليهود من ذوي العِرق الأبيض/الإشكناز في إسرائيل.ينص مشروع القرار على أنّ «حكومة الولايات المتّحدة تتحمّل المسؤولية في فحص وإنشاء وتنفيذ الحلول, لمًعالجة وتخفيف المشكلات المرتبطة بالمرض. وهو مشروع حظي كالعادة بدعم المنظمات اليهودية/الأميركية, التي تؤيد أن يتدخّل الكونغرس بتمويل الأبحاث والتوعية بمعدلات العقم بين اليهود/الإشكناز في إسرائيل. كون هؤلاء يُدرجون ضمن مجموعات تعاني من معدلات أعلى بشكل غير متناسب مع أمراض معينة وأمراض النساء والغدد الصماء واضطرابات المناعة الذاتية، والتي تُساهم في ارتفاع مُعدلات العقم بين هؤلاء السكّان».فلا تستغربوا أن نستيقظ ذات يوم قريب على قرار أميركي بـ(شمول «كل» يهود إسرائيل «البيض فقط» بالتأمين الصحي الأميركي الحكومي/المجاني مدى الحياة).kharroub@jpf.com.jo