«مواطن سيناريست» ظاهرة جديدة بدأت تطفو على السطح وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتضاف إلى ظواهر سابقة اخذت بالانتشار شيئاً فشيئاً حتى اصبحت ملازمة للبعض وهي مواطن صحفي ومواطن محلل ومواطن خبير ومواطن مفتي وفي كل شيء بما يعلم ولا يعلم، وهنا انا لا أعمم على الإطلاق ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر وجودها وانتشارها في مجتمعنا مؤخراً.
كل الظواهر السابقة هي امر طبيعي وحق للمواطنين وتحديدا في ضوء انتشار التكنولوجيا والهواتف الذكية والانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير في المملكة، غير أن ظاهرة «مواطن سيناريست» هي الاكثر خطورة على المجتمع والاكثر انتهاكا للخصوصية والتي هي في غالبيتها سيناريوهات دراماتيكية فيها من الأكشن والغموض المسموم دائما ما يتعارض مع الرواية الرسمية سواء كانت امنية او اقتصادية او اجتماعية او سياسية ودائما ما يتصدر بطولتها شخصيات عامة او معروفة او مشهورة لكي يكون الترويج لها وتسويقها اكثر فاعلية وانتشارا ما بين ال?راء، ولنا في قضية العقبة مؤخرا ومقتل الطالبة الجامعية واعتقال قاتلها وما صيغ من قصص وسيناريوهات حولها دليل قاطع على مدى خطورة هذا النوع من الظواهر المستحدثة على مجتمعنا.هذه الظاهرة لا توجد في الاردن فقط بل أصبحت معضلة عالمية ودولية، غير ان كافة الدول اصبحت تضع لها ضوابط اخلاقية وقانونية تلاحق مثل هؤلاء الذين يستغلون قضايا الرأي العام في تاليف سيناريوهات لا تصلح الا لعمل مسلسل رمضاني وفيلم اكشن هولودي ودرماتيكي هندي وكلها من النوع الذي يكون التلميز والترميز والتلميح والغموض ابرز مشاهدها، فمن منكم لم يشاهد لايفات وكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الاسبوعين الماضيين ولم يلحظ مدى التفنن في زج الروايات المتناقضة والتساؤلات الهادفة الى اثارة الشك والتشكيك حول هذه الشخصية?وهذا رجل اعمال وهذا الفنان وهذا الناشط والمشهور على السوشل ميديا وهذا كله اما لتصفية حسابات هذا مع ذاك او لابقاء المجتمع في حالة استفهام دائمة رغم خروج الروايات الرسمية والمدعومة بكل الادلة والبراهين الحقيقية، غير أن التشكيك فيها والمصحوبة بنظرية المؤامرة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من كل شيء يهم الرأي العام الاردني.ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو انني اصبحت اتلمس مدى خطورة انتشارها على المجتمع والسياسة والاقتصاد ويراودني قلق كبير من مدى خلو تلك السيناريوهات من اخلاقيات تعودنا عليها، بل انها تؤسس لظواهر نرفضها جميعا كالمس بالشرف و غياب الانسانية واحترام مشاعر الاخرين مستبيحين بتأليفهم للقصص والحكايا كل معاني الأخلاق التي تربينا عليها ونسعى الى تربية ابنائنا عليها، بعيداً عن اغتيال الشخصية وقذف المحصنات والتلميح إلى عرض هذا وذاك حتى اصبحت كل قضايانا وفي ما يخص الرأي العام ضحية لتلك السيناريوهات اللإنسانية.ختاماً.. لا أعمم واعرف انهم قلة قليلة حاقدة ومتصيدة في الماء العكر ويحملون في قلوبهم سوادا لا يميز بين مشاعر هذا ومشاعر ذاك و ولا يراعي خصوصية ومشاعر الناس، يقذف باعراضهم واسمائهم في بحر أسود كما هي قلوبهم ويتركونهم تحت لسان هذا واستفسار ذاك، ونحن اليوم مجبرون على محاربتهم فقد نكون جميعاً أحد ضحاياهم في يوم من الايام، وذلك من خلال اتباع الرواية الرسمية وتصديقها وهجر الخزعبلات التي تتصدر وتصدر من «السيناريست المواطن».