اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

الحبل المقطوع والرصيف رقم 4


فايز الفايز

الحبل المقطوع والرصيف رقم 4

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/06/29 الساعة 10:30
تلك الحادثة المفجعة على رصيف رقم أربعة في ميناء العقبة لم تكن الأولى للأسف بذلك الحجم، لقد سبقها العديد من الحوادث التي أنهت حياة عشرات الأبرياء بسبب أخطاء يراها البعض غير ذات أهمية فيما الأصل أن نبحث عن المشكلة الصغيرة جدا في الأدوات التعاملية قبل أن تتضخم وتؤدي الى كارثة كما يحدث في كل مرة، فإهمال موظف أو عامل يطيح بكيان منشأة عملاقة، ثم نركن الى القضاء والقدر مع إيماننا به ولكن له شروط جاء بها سيد الخلق قبل أربعة عشر قرنا، إذ قال للأعرابي «إعقلها وتوكل» أي ناقته حتى لا تضيع، ونحن نضيع بإهمالنا مقدرات وأ?واحاً، فرحمة الله على من وافاهم الأجل في العقبة.
الحبل المقطوع من الرافعة التي حملت صهريج المادة الخطرة، هو مثال صارخ على الحبال قابلة للقطع في كل ما يجري لنا على كافة المستويات، ليس في الإنشاءات وقطاع التحميل والتنزيل فحسب بل بالكثير من إجراءاتنا التي أعادت الإدارة العامة لبعض التقهقر واللامبالاة و انعدام الثقة بالمؤسسات والجلدّ بسياط الغضب والنقد وإلغاء رأي الآخر، وعدم الاستماع للناصحين والمشفقين على هذا الوطن وحصانة دولتهم وتقدمها وعلى الخدمات العامة ومراعاة زرع الثقة بالنفس للمواطن بأن هناك من يعمل بأمانة وإخلاص خدمة للوطن والفرد الذي يشكل حجر الزاوي? في مفهوم الدولة وعقلها.
الحبل المقطوع موجود في حيازة مسؤول مهمل أو موظف متقاعس أو إدارة لا يخرج منتسبوها الى الميدان كي يتحسسوا المشاكل والأخطاء التي تحدث نتيجة إسناد العمل لغير أهله، فإذا كان الصهريج الكيماوي سقط على أرض الرصيف وأودى بحياة ثلاث عشرة ضحية، فقد سبق وأن انفجر صهريج بنزين متوقف على إشارة الدخان في منطقة المهاجرين، وأكلت النيران عشرات السيارات وذهب ضحيتها العديد من السائقين، في عز الظهيرة، ولا تزال صهاريج النفط تتجول نهارا وتزاحم في الشوارع ولا يهتم أحد لإعادة القرار القديم بعدم خروجها إلا ليلاً.
الحبل المقطوع كان بين يدي مسؤولي مستشفيات تركوا مراكزهم وذهبوا الى بيوتهم وأغلقوا هواتفهم ولم يعودوا إلا بعد أن وصلهم الملك وارتقاء المرضى الى خالقهم نتيجة انقطاع الأوكسجين، وكان الأولى أن يبقى الحبل بأيديهم وأن يؤثروا المرضى على أنفسهم، وغيرهم في المستشفيات غير الحكومية التي يدفع المواطن «دم قلبه» ليتداوى ثم يبقى أياما وهو في انتظار الطبيب الذي يأتي متأخرا بعد أن يكمل جولاته على مشاف عديدة تاركا المريض يوما أو أكثر وهو في انتظار تلك اليد الرؤوم.
الحبل المقطوع متأصل في بعض المراكز العليا للمؤسسات التعليمية التي لا تنظر الى الطالب إلا أنه مستهلك تبيع بضاعتها عليه ولا تقدم له الحماية من الشاذين نفسيا وأصحاب الأسبقيات الجرمية، ولا تفكر بعقد دورات النصح والإرشاد وتدعيم ثقافته بحب الوطن وخدمة المجتمع، وتأسيس دخوله الجامعة عبر نظرية أنه العنصر الأساس في بناء البلد والانحياز الى ركن المواطنة الأساس بلا تفريق بين هذا وذاك، وتنظيفهم من العوالق الاجتماعية التي تضخمت حد الجنون بفرعيات مقيتة للتفاخر والتنافس العائلي، ما أدى الى تدهور سمعة مؤسسات التعليم العالي?جرّاء المشاجرات بين الطلبة، وتدني خبرات الأساتذة وفساد البعض من مسؤوليها.
لهذا رأينا الحبل المتين الذي نفزع له عند كل كارثة تقع، لنجد أن طواقم الدفاع المدني الذين يضحون بأنفسهم لإنقاذ غيرهم يهرعون كأنهم الأسود الصاهرة ليقتحموا الشرار والنار والأخطار وتطهير الرصيف، فلا فرق بينهم وبين الضحايا فالجميع يريدون العودة ساعة الى أهليهم وأطفالهم، تماما كما قدم شهداؤنا الأبرار من القوات الأمنية والعسكرية أرواحهم لحمايتنا ونحن نتناول» فنجان قهوة السادسة»، فكم من أيتام صغار تركهم أبطالنا ولم نقدم لهم الشكر والدعم المالي والنفسي، بل نسينا أسماء الشهداء فكيف بالأبناء.
عندما يهرع رئيس الحكومة ووزراؤه والمسؤولون المعنيون جميعا الى العقبة للوقوف على مجريات الحادث فذلك واجبهم ولا يمنون على أحد، ولكن عندما تكون الإدارة المعنية بعيدة عن الميدان وتصمّ آذانها عن الاستماع للموظف الصغير قبل الكبير وتتساهل في إجراءات السلامة العامة والحماية للموظفين فمن الطبيعي أن يقع خطأ قاتل في أي لحظة والحساب هو معيار الثواب والعقاب، وهذا من واجبات الوقوف على الحقيقة ليقرر الرئيس أين الخطأ وممن وزيارة كافة المنشآت الهامة في الوطن.
هنا سأعيد المرة تلو الأخرى حكمة هي أصل النباهة سياسيا وأمنياً، إذ تقول: «إن درهم وقاية خير من قنطار علاج »، فكم مصيبة وقعنا بها لإهمال صغير أدى لكارثة.
رحم الله الشهداء وأعظم أجر أهاليهم.
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/06/29 الساعة 10:30