قلت في مقالي السابق إننا في تعاملنا مع تصاعد الجريمة وتنوعها في بلدنا نمارس خداع الذات، باختبائنا وراء مقولة إننا مجتمع محافظ له عاداته وتقاليده، ودعوت إلى عمل علمي جاد، وجهد مجتمعي مركز ومنظم للوقوف في وجه تصاعد الجريمة في بلدنا.
وحتى نستطيع الوقوف بوجه الجريمة، علينا الإعتراف بالأسباب التي غيرت تركيبة مجتمعنا، ومن ثم غيرت قيمه وعاداته، بل ونحتها جانبا، فصرنا مجتمعا منفلتا من كل عقال، يتطاول على كل شيء، وينتهك حرمات كل شيء.أول هذه الأسباب في ظني، هي أننا حولنا بلدنا إلى مستودع بشري، عندما لم نكتف باستقبال مئات الاف اللاجئين الذين جاؤونا في موجات متتالية، وعيبنا في ذلك أننا أولا لم نقنن أعداد اللاجئين القادرين على استيعابهم كما فعلت كل دول العالم، وأكثر من ذلك فقد تركنا هذه الأمواج البشرية تنساح في مجتمعنا مختلطة به حاملة الية قيمها وعاداتها التي لعبت دورا كبيراً في تشويه قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وأدخلت الكثير من أنماط السلوك والعلاقات التي كانت مستهجنه عندنا، وزاد الطين بلة أننا لم ندقق في القيود الجرمية للكثيرين من هؤلاء ا?لاجئين، بعد أن لم نفعل ما فعلته الدول الأخرى عندما حصرت وجود اللاجئين على أراضيها بمربعات محددة. وعندما سمحت لبعضهم بالاختلاط بمواطنيها جعلتهم يلتزمون بقيم وقوانين وسلوكيات هؤلاء المواطنين، بخلاف ما جرى عندنا.ليست موجات اللجوء وحدها المسؤولة عن التغيرات السلبية التي أصابت المجتمع الأردني، وأدت إلى ارتفاع الجريمة فيه، فهناك عامل آخر مهم يتمثل بأنماط ومفاهيم التربية التي دخلت إلى مجتمعنا، بالتوازي مع تراجع دور الأسرة والمدرسة في تربية الأطفال والصبية في المجتمع الأردني، وغياب دور المعلم التربوي والقدوة، بعد أن تراجع قبله دور الآباء والأمهات لحساب رفاق السوء ولحساب وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية التي تعج بالعنف، وفي ظل هذه الأنماط التربوية المتنافرة لم يعد لمجتمعنا شخصية تربوية واحدة ومن ثم لم يعد لد?نا سلوك اجتماعي جامع، أي أننا أصبحنا مجتمعا بلا عادات وتقاليد تحكم سلوكاتنا فعليا.عدا عن تغير أنماط ومفاهيم التربية فإن من عوامل التغير السلبي التي دخلت على مجتمعنا، وساهمت في ارتفاع نسبة الجريمة فيه هو انقلاب أولويات التربية والتنشئة الإجتماعية لدينا، حيث تقدمت حاجات المعدة والبطن والفرج على حاجات العقل والنفس، فنشأت لدينا أجيال، تعاني من الفقر الثقافي والوجداني لكنها جشعة مادياً تسعى لإشباع هذا الجشع ورغباته حتى ولو عن طريق الجريمة.عنصر آخر مهم ساعد على انتشار الجريمة وتصاعدها وتنوعها في مجتمعنا، يتمثل في تراجع هيبة القانون وسطوة الدولة، مع ما رافق ذلك من انتشار للواسطة والمحسوبية، مما ولد عند الكثيرين قناعة بأنه يمكنه الحصول على ما يريد بالقوة والعنف، ساعد على ذلك كله التهاون في تطبيق القانون أو الثغرات التشريعية في الكثير من قوانيننا، وقبل ذلك كله، الصفح عن المجرم مقابل فنجان قهوة يتبعه الحث على المسامحة بدم القتيل ليعيش القاتل هانئا في مجتمع يئن.لذلك كله فإن مواجهة تفلت المجتمع تحتاج إلى نظام تربوي متكامل نابع من ثقافة الأمة الأصيلة.