أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

سر ولع الروس بالمدفعية

مدار الساعة,أخبار عربية ودولية
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة -"روسيا لا يمكن أن تكون إلا نفسها"، تبدو هذه نتيجة واضحة للحرب في أوكرانيا، التي بدأت بهجوم روسي خاطف على كييف، على الطريقة الغربية، وتحولت الآن إلى حرب مدفعية بطيئة ومدمرة على غرار كل المعارك العنيفة التي خاضتها موسكو لقرون وكانت المدفعية الروسية هي السلاح الرئيسي فيها.
لم تكُن روسيا تنوي خوض حرب كهذه، بل كانت تريد حرباً على الطريقة الغربية عبر اختراق سريع لخطوط العدو والالتفاف حول مراكزه العسكرية مثلما حاولت في محيط كييف، وخاركيف ومحاولة الإنزال في أوديسا في بداية الحرب.ولكن بعد فشل اندفاعهم الأولي نحو كييف، لجأت القوات الروسية إلى الحصار الطاحن، وتطويق ماريوبول ومدن أخرى في شرق أوكرانيا.ويبدو أن روسيا قد قررت العودة إلى ممارسة مألوفة في العقيدة الروسية العسكيرة لقرون، إنها حروب المدفعية الثقيلة، حسبما ورد في تقرير Foreign Policy الأمريكية.فعلى النقيض من العقيدة الأمريكية، التي تؤكد على المناورة بالقوات لاختراق صفوف العدو، والتركيز على القوة الجوية مع الاستخدام الدقيق نسبياً للمتفجرات شديدة الانفجار، تؤكد العقيدة الروسية على قوة النيران الجماعية، ولديها أكبر سلاح مدفعية في العالم من حيث العدد، حيث تمتلك 6540 مدفعاً ذاتي الحركة، و4465 مدفعاً ميدانياً، و3860 راجمة صواريخ.تاريخ المدفعية الروسيةكان إدخال الروس سلاح المدفعية، سبباً على الأرجح لتفوقهم على المسلمين التتار في القرن السادس عشر، الذين حكموا روسيا لعقود، وكانت موسكو تدفع لهم الجزية حتى منتصف القرن الخامس عشر، مثلما كان تطور المدفعية لدى العثمانيين إحدى الأسباب الرئيسية لبناء إمبراطوريتهم وتفوقها على منافسيها سواء الصفويين أو المماليك أو دول جنوب شرق أوروبا.ولأجيال، كانت المدفعية الروسية مبدعة من الناحية التكنولوجية ومثيرة للاهتمام من الناحية الفكرية، وذلك منذ أوائل القرن الثامن عشر، عندما طور المارشال الروسي بيتر إيفانوفيتش شوفالوف عدة أشكال تجريبية من المدافع فيما أصبح إرثاً من الناحية النظرية والفكرية والتطور الإبداعي لاستخدام المدفعية، حسب الجنرال الأمريكي روبرت هـ.خلال حروب القرن الثامن عشر، كانت المدفعية الروسية دائماً أفضل من تلك التي تمتلكها قوى مثل بروسيا (الدولة التي وحدت ألمانيا)، رغم أن روسيا كانت أكثر تخلفاً في معظم المناحي الحضارية من أوروبا. كانت روسيا مهتمة بالفعل بتكديس المدافع الكبيرة: أوصت اللوائح التي تم تبنيها في عهد الإمبراطورة إليزابيث بتروفنا في خمسينيات القرن الثامن عشر بتركيزها في مجموعات من 16 أو 24. حافظ الجيش الإمبراطوري الروسي على تركيزه على التميز التكنولوجي والنظري خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر. على الرغم من أن المدفعية الروسية لم يتم تحديثها بالقدر الذي كان ينبغي أن تكون عليه خلال النصف الأخير من ذلك القرن، إلا أنها ظلت مبدعة: على سبيل المثال، يفترض أن الجيش الروسي أول من استخدم النيران غير المباشرة في القتال، خلال الحرب الروسية اليابانية، من 1904 إلى 1905 والتي انتهت بهزيمة الأسطول الروسي.صنعوها من أجراس الكنائسهناك بعد غير ملموس للشعور الروسي تجاه أسلحتهم. وفقاً لأسطورة ملهمة، بعد الخسارة الكارثية في نارفا في عام 1700 أمام الإمبراطورية السويدية، أمر بطرس الأكبر مؤسس روسيا الحديثة وأول أباطرتها، كل كنيسة في البلاد بإعطاء بعض أجراسها لصنع مدافع جديدة لتحل محل المدفعية التي دمرها السويديون. منذ ذلك الحين، اعتبرت المدافع الروسية مقدسّة، وحصلت المدفعية الروسية على مكانة خاصة في ثقافة البلاد. صُنعت المدافع وأجراس الكنائس في الواقع بالطريقة نفسها، وغالباً بواسطة المصانع نفسها؛ يمكن بسهولة صهر أحدهما وإعادة صياغته في الآخر. يرن المدفع البرونزي المصبوب جيداً أو النحاسي عند إطلاقه، مثل الجرس.لهذا السبب، وفقاً لرواية شائعة، دافعت أطقم المدفعية الروسية في القرن الثامن عشر عن المدافع الخاصة بهم حتى الموت. جيش يعاني من انضباط وحشي، ولكنه قادر على الانتصار هذا الجيش الذي كان يعتبر المدافع بمثابة جواهر مركزية، شكل جزءاً لا ينفصم من المجتمع الروسي، حيث كان التجنيد يسمى خدمة الدولة، ولكنه كان أيضاً بمثابة مأساة لجنوده في كثير من الأحيان.كان الجيش القيصري، الأداة والضحية لسلطة الدولة القسرية، يعمه الانضباط الوحشي والتعسفي. ولكنه لم يكن جيشاً ضعيفاً أو غير كفء: لقد برزت الإمبراطورية الروسية كقوة عظمى في القرن الثامن عشر بفضل الغزو العسكري.لكن المشاة العاديين عوملوا معاملة مروعة حتى بمعايير ذلك الوقت، إضافة إلى سوء الإمداد، وتدني الأجور، وكثيراً ما أرسلوا غير مهيئين إلى ساحة المعركة، حسبما ورد في تقرير المجلة الأمريكية.في القرن التاسع عشر، احتفظت روسيا بقوات هائلة حيث كان لديها أكبر الجيوش في العالم عدداً أغلب القرنين التاسع عشر وكذلك العشرين.ولكن خلال القرن التاسع عشر، غالباً ما كانت هذه الجيوش غير ملائمة للمهام التي كان من المفترض أن تؤديها ولكنها كانت كبيرة جداً لدرجة أنه كان من المستحيل تحديثها أو إعادة تجهيزها دون إحداث خلل في الاقتصاد بالكامل.سر تميز المدفعية الروسية مقارنة بالمشاةتعمل جميع الجيوش على التغلب على عيوبها. إذا كانت المدفعية الروسية جيدة من الناحية التاريخية، فقد يكون ذلك بسبب أن المدفعية كانت تمثل المساحة الأقل صعوبة في إجراء تحسينات بها حتى عندما كان باقي الجيش يكافح من أجل الإصلاح.وقد يكون ذلك بسبب التركيبة الروسية المعقدة التي خلقها التحديث غير الكامل للبلاد، منذ عهد بطرس الأكبر.كانت جموع الجماهير في روسيا أقل تقدماً من الدول الغربية بفارق كبير، سواء في العصر القيصري أو السوفييتي، وتعثر التحديث الواسع النطاق، مقارنة بالدول الغربية، فكان نسبة المتعلمين في روسيا في العهد القيصري أقل من نظرائها الغربية، ولا تعلو كثيراً عن الدولة العثمانية أو بعض الدول العربية كمصر ولبنان في بعض الأوقات.في المقابل، فإن عملية التحديث في مجال البحث العلمي وفي بعض الصناعات الاستراتيجية كانت متقدمة وتقارب الغرب وتقارعه، ويظهر ذلك في ظهور أدباء روس رفيعي المستوى وكذلك أسماء المخترعين والعلماء روس الذين ساهموا في النهضة العلمية في القرنين التاسع عشر والعشرين.كان العوام في روسيا القيصرية وبصورة أقل الاتحاد السوفييتي، أقرب للجماهير المسكينة في العالم الثالث، بينما النخب العلمية تحاول منافسة الغرب.ووقع الجيش الروسي بين الحالتين، فالمشاة باعتبارهم سلاح الفقراء وغير المتعلمين كانوا أقرب لطبيعة أغلبية الشعب الروسي الذي لم يتغلغل فيه التحديث ويعاني من تراث القمع، بينما المدفعية التي هي سلاح هندسي بطبيعته حيث يعتمد على الكفاءة خلال مرحلة التصنيع، والحسابات خلال القصف، كانت متأثرة بنجاحات واختراقات روسيا في العلوم والصناعات الاستراتيجية.لقد استمر الاهتمام الروسي بالمدفعية بعد زوال حكم القياصرة، فقد تم بناء الجيش الأحمر السوفييتي حول المدفعية واستخدمها بشكل كبير خلال الحرب العالمية الثانية. العودة لأساليب الحرب العالمية الثانيةيجادل المؤرخ العسكري أنتوني بيفور بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينظر لحرب أوكرانيا كأنها امتداد للحرب العالمية الثانية، ولهذا يكرر اتهام الأوكرانيين القوميين بالنازية، فبالنسبة لأنصار بوتين، تعني كلمة "نازي" خصم روسيا.ويشير بيفور إلى استخدام المدفعية الثقيلة والصواريخ كدليل على هيمنة منظور الحرب العالمية الثانية على التفكير الروسي، ويدعي أنهم يكررون أنماط القتال السابقة. يقول إنه عندما قصف الجيش الروسي حلب في عام 2016 وغروزني في عام 1999، أظهرت هذه الإجراءات "مدى ضآلة تطور عقيدة الجيش الروسي على عكس ما يحدث للجيوش الغربية، منذ الحرب العالمية الثانية".لكن السلاح"غير الدقيق" لا يعني بالضرورة أنه "قديم". ولا تعني كلمة "عفا عليها الزمن" بالضرورة أنه"غير سليم عسكرياً"، إذ نجحت روسيا بين عامي 2000 و2016، في استخدام المدفعية كمركز لنهجها التكتيكي والعملياتي في حروب الشيشان، والحرب في سوريا، وحروب 2014 في أوكرانيا. خلال هذه الحروب، طور المنظرون العسكريون الروس وصقلوا أفكارهم، لكنهم فعلوا ذلك في اتجاه أكثر تركيزاً على المدفعية من الجيوش الغربية.كما تظهر الحرب الحالية في أوكرانيا، أنه يجب على الجيش غير القادر أو غير الراغب في الاستثمار في قوته البشرية أن يعوض ذلك بشيء آخر. كان هذا أحد أسباب تركيز الجيوش القيصرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على القوة النارية. اتخذ الجيش الروسي اليوم قراراً مشابهاً.تستخدم العقيدة الروسية نيراناً حاشدة أكثر من الذخائر الدقيقة لأن القذيفة التقليدية رخيصة الثمن ولا يمكن التشويش عليها، ولكن أيضاً لأن منظري المدفعية يعتقدون أن النيران الجماعية تحمل احتمالاً رياضياً للقتل يمكن من خلاله توقع النجاح التكتيكي إحصائياً، دون رؤية الهدف مطلقاً، يقلل ذلك الحاجة من تكلفة التجسس والاستطلاع التي تركز عليها الجيوش الغربية.
مدار الساعة ـ