ثمة مُؤشرات مُتسارعة تعكس من جملة أمور أخرى, أزمة متدحرجة آخذة في التشكل داخل المعسكر الغربي بقيادته الأميركية, سواء في العلاقات الأميركية/الأوروبية أم في صفوف حلف شمال الأطلسي الذي سيعقِد غداً قمة وُصِفت بـ«التاريخية», ناهيك عن مجموعة G7 التي التقت يوم أمس في ألمانيا, وكانت لافتة دعوة رئيس الوزراء البريطاني/بوريس جونسون (المأزوم داخلياً مع تصاعُد المطالبات باستقالته بعد هزائم انتخابية).. دعوته المجتمعين بأن: «الآن ليس الوقت المناسب للتخلّي عن أوكرانيا». ما يشي بأن خلافات داخل «مجلس إدارة العالم» قد أخذت تطفو على السطح، حتى لو «أجمَعوا» على فرض المزيد من العقوبات على روسيا. في ظل شعور أميركي/أوروبي بخيبة أمل كبيرة جراء انعدام فاعلية وتأثير هذه العقوبات غير المسبوقة في شموليتها وقسوتها، في الوقت ذاته الذي توقّع فيه المستشار الألماني/شولتس «عدم حدوث اختراق في قمة G7 التي انتهت للتو».
على المقلب الآخر ورغم التقارير التي تؤكدها وسائل إعلام أميركية وأخرى بريطانية بأنّ مخزون الأسلحة لدى الولايات المتّحدة وحلف الناتو آخذة بالتراجع، ما أثار قلق القيادات العسكرية بعد السخاء غير المسبوق في تزويد أوكرانيا بآلاف الأطنان من العِتاد والأسلحة ومنها مُتقدم جداً غير موجودة لدى دول أعضاء في الناتو، فإنّ ما كشفه الرئيس الروسي بوتين عن تجهيز الولايات المتّحدة لأسلحة نووية في أوروبا, لافتاً إلى أنّ الأميركيين يحتفظون بـ«200» رأس نووي في 6 دول أوروبية أعضاء في الناتو، كما تمّ تجهيز (257) طائرة لاستخدامها المُحتمل وليس طائرات أميركية فقط، يزيد من المخاوف بأنّ الأمور سائرة إلى مزيد من التأزم, ليس فقط في أنّ الحصار الذي فرضته ليتوانيا على مقاطعة كالينينغراد الروسية تم النظر إليه في موسكو مثابة إعلان حرب، بل وأيضاً في قرار الرئيس بوتين تزويد بيلاروس بمنظومات صاروخية من طراز إسكندر- إم, التي يمكن استخدامها لإطلاق صواريخ باليستية ومُجنحة باستخدام الذخيرتين النووية والعادية, وِفق ما أكّد بوتين لنظيره البيلاروسي/لوكاشينكو أمس الأول.ترافق ذلك مع تصريحات مثيرة وغير مسبوقة جاءت على لسان أندريه غوروليوف الجنرال المتقاعد والنائب الحالي في البرلمان الروسي/الدوما وخصوصاً المُقرب من الرئيس بوتين أدلى بها لمحطة تلفزيونية روسية رسمية جاء فيها: أنّ موسكو ستستهدف بصواريخها العاصمة البريطانية لندن أولاً وليس وارسو أو باريس أو برلين، كاشفاً عن خطة جاهزة لتدمير مجموعة الأقمار الصناعية الفضائية لـ«العدو» خلال العملية الجوية الأولى، مُلمِّحاً إلى أنّ الحل «الوحيد» لمنع مُحاصرة مقاطعة كالينينغراد وعزلها عن روسيا من قبل الاتحاد الأوروبي, هو «الغزو» الروسي لدول البلطيق الأعضاء في الناتو.تصريحات مباشرة وكاشفة كهذه عن الأهداف التي ستقصف لم يكن ليطلقها جنرال متقاعد ونائب في البرلمان لولا أنّه تلقى الضوء الأخضر من الكرملين، أو أقله أن يكون على قناعة بأنّ أقواله لن تغضب بوتين..المواجهة متعددة الوسائل والمقاربات والساحات محتدمة بين المعسكر الغربي وروسيا التي تجد دعماً سياسياً واقتصادياً من دول عديدة أبرزها الصين كذلك الهند، وهي مواجهة مُرشحة للتصاعد والخروج عن السيطرة، والأمر مرهون بما ستسفر عنه قمة حلف الناتو التي تلتئم غداً في مدريد، خاصة في قرارها اعتبار روسيا الخطر الأكبر على الحلف والمعسكر الغربي، زِد على ذلك التوتر المتصاعد في البحر الأسود بعد رفض واشنطن اشتراط موسكو تفتيش السفن الأوكرانية المُحمّلة بالحبوب العائدة إلى الموانئ الأوكرانية, إذا ما تمّ التوصل لاتّفاق يسمح بإخراج ملايين أطنان القمح والذرة والزيوت الأوكرانية وخصوصاً الروسية, لتلافي حدوث مجاعة تطال معظم الدول النامية.قصارى القول.. إن الأزمة المُتفاقمة التي تشهدها الاقتصادات الغربية والتوقعات المتشائمة التي يتحدث عنها ساسة واقتصاديون ورجال أعمال ومؤسسات مالية, حول التضخم والركود وإقفال مصانع وفقدان وظائف وارتفاع أسعار الغاز والنفط, مُرشحة كلها لدفع المُتشددين وأصحاب الرؤوس الحامية وحزب الحرب في معظم دول أوروبا الشرقية, الأعضاء منها في حلف الناتو وعلى رأسها بولندا إضافة بالطبع إلى بوريس جونسون في بريطانيا, الذي يبدي تشدّداً ملحوظاً لصرف الأنظار عن مشكلاته الداخلية, التي قد تجبره على الإستقالة وفقدان مستقبله السياسي, ربما تسهم في أخذ العالم إلى حافة الهاوية.