مدار الساعة - أُدين الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا، الذي كان من أقوى المرشحين للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بتهم فساد، الأربعاء 12 يوليو/تموز 2017، وحُكم عليه بالسجن قرابة 10 أعوام.
ومثَّل الحكم سقوطاً مدوّياً لـ"لولا"، الذي سيظل طليقاً نتيجة الطعن على الحكم، وضربة قوية لفرصه في عودة سياسية.
نشأ لولا في اسرة فقيرة، فهو ابن أسرة فلاح أمي وفق تقرير بي بي سي. وعمل في صغره بائعاٍ للفستق السوداني وماسح أحذية ولم يتعلم الكتابة أو القراءة قبل بلوغه العاشرة. التحق بالعمل النقابي وأسس حزباً ليصل العام 2002 إلى السلطة ويحدث نهضة جعلت بلاده التاسعة عالميا بالاقتصاد.
وقال خبراء سياسيون إن إدانة الرئيس البرازيلي السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، المتصدر سباق انتخابات الرئاسة العام المقبل، بالفساد تفتح الباب أمام منافس غريب على الساحة السياسية لتولي السلطة في كبرى دول أميركا اللاتينية.
"لولا"، أحد عمالقة الحياة السياسية في البرازيل وشغل منصب الرئيس من 2003 إلى 2011. وقد قال إنه يريد ترشيح نفسه للرئاسة مرة أخرى العام المقبل.
إلا أنه إذا أيدت محكمة استئناف الحكم بسجن "لولا"، مؤسس حزب العمال اليساري، ما يقرب من 10 أعوام فسيُحرم من السعي لشغل منصب عام مرة أخرى لمدة 8 سنوات، تبدأ بعد استكمال عقوبة السجن.
و"لولا"، (71 عاماً)، واحد من مجموعة من أفراد النخبة البرازيلية الذين أطاحت بهم فضيحة فساد هزت اقتصاد البلاد والأحزاب الكبرى كلها وعمَّقت مشاعر اللامبالاة بالسياسة على المستوى الشعبي.
وقال كارلوس ميلو أستاذ العلوم السياسية بكلية إنسبر للأعمال في ساو باولو: "البرازيل تشهد الآن استقطاباً مثل الولايات المتحدة. وهو في الواقع قائم منذ سنوات، غير أنه إذا غاب (لولا) فسينفتح المجال دون شك لزعيم من خارج المشهد، مثير للمشاعر مثل الرئيس الأميركي (دونالد) ترامب".
والأربعاء 12 يوليو/تموز الجاري، أصدر القاضي سيرجيو مورو قراراً بإدانة "لولا" بقبول رشى قيمتها 3.7 مليون ريـال (1.15 مليون دولار) من شركة "أو إيه إس" الهندسية. وهذا هو المبلغ الذي قال المدّعون إن الشركة أنفقته على تجديد شقة على البحر لحساب "لولا" مقابل مساعدتها في الفوز بعقود لشركة بتروليو برازيليرو الحكومية للنفط.
وشركة "أو إيه إس" جزء من مجموعة من الشركات المورّدة، التي قال المدعون إنها سلبت مليارات الدولارات من شركة النفط من خلال عقود مبالغ فيها ووجهت جزءاً من مكاسبها الحرام إلى الساسة والأحزاب السياسية.
وقد سجن القاضي مورو عدداً من المديرين التنفيذيين بشركة "أو إيه إس". والقاضي مورو هو الذي أشرف على التحقيق في أكبر قضية فساد بتاريخ البرازيل والتي عرفت باسم "غسل السيارات".
وقال محامو "لولا" إنه بريء. وسيظل الرئيس السابق حراً طليقاً لحين البتّ في استئناف الحكم، الذي وصفه المحامون بأنه ذو طابع سياسي. ومن المتوقع أن يستغرق البتُّ في طلب الاستئناف 8 أشهر على الأقل.
رغم المشاكل القانونية، فلا يزال "لولا"، صاحب الشخصية الساحرة، أشهر الساسة في البرازيل، وقد احتفظ بقاعدة أنصاره الموالين له. وخلال رئاسته، استخدم "لولا" الموارد التي تدرّها تجارة السلع الأولية المزدهرة إلى برامج اجتماعية، ساهمت في انتشال الملايين من الفقر.
وتبين استطلاعات في الآونة الأخيرة، من مركز داتافولها المرموق، أن "لولا" سيفوز في الجولة الثانية من الانتخابات العام المقبل على كل المتنافسين، باستثناء مارينا سيلفا، المدافعة عن البيئة والتي سبق أن رشحت نفسها للرئاسة مرتين؛ إذ سيتعادل الاثنان.
إلا أنه إذا لم يرشح "لولا" نفسه، فستكون كل الاحتمالات مفتوحة؛ لأن ما يقرب من 20 في المائة من الناخبين لم يستقروا على مرشح بعد.
ورغم الأداء الطيب لمارينا سيلفا صاحبة الصوت الرقيق، في استطلاعات الرأي، فإن ميلو ومراقبين سياسيين آخرين يتشككون في أن بوسعها الفوز، لأسباب، منها أن حملاتها الدعائية تفتقر إلى الخطب الحماسية اللازمة للتواصل مع الناخبين.
وقال ميلو إن تعطش الشعب للمهارات الاستعراضية وللمرشحين المناهضين لحكم المؤسسات السياسية- قد يعطي دفعة لمنافسَين اثنين من خارج الحلبة؛ الأول سيرو جوميز، الذي سبق أن شغل مناصب حاكم ووزير اتحادي وعضو في الكونغرس وأصبح الآن عضواً في حزب العمال الديمقراطي؛ والثاني هو المليونير خواو دوريا قطب صناعة الإعلام والنجم السابق لتلفزيون الواقع في البرازيل.
وتوضح أحدث استطلاعات مركز داتافولها، أن جوميز ودوريا سيتعادلان في جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
وكان الأداء الطيب أيضاً من نصيب المحامي اليميني عضو الكونغرس جاير بولسونارو (من الحزب المسيحي الاجتماعي)؛ إذ تبين الاستطلاعات أنه سيحصل على 15 في المائة من الأصوات بالجولة الأولى بعد "لولا" مباشرة.
لكن مراقبين سياسيين يحذرون من أن شعبيته ستضعف على الأرجح مع سعي خصومه لإبراز تاريخه المليء بمناهضة المثليين وأقواله المؤيدة للحكم الدكتاتوري. وسيمثُل أمام المحكمة العليا بتهمة التحريض على العنف، بعد أن قال لإحدى النائبات في مجلس النواب إنه لا يرضى "باغتصابها؛ لأنها لا تستحق ذلك".
وقال سيرجيو براكا أستاذ العلوم السياسية في جامعة مؤسسة جيتوليو فارجاس، إنه يرى أن إدانة "لولا" ستصيب كل الساسة بالرعب، مضيفاً: "هذه الإدانة وصمة سوداء في تاريخ البرازيل. لكنها لحظة عظيمة في الكفاح ضد إفلات المجرمين من العقوبة".