اختزلت وسائل إعلام دولية وإقليمية عديدة، بما فيها الإعلام الأردني، جواب الملك عبد الله الثاني على مذيعة شبكة CNBC عما إذا كان يؤيد إنشاء ما يسمّى "ناتو الشرق الأوسط"، بأنّ الأردن سيدعم تشكيل تحالف عسكري في المنطقة، وهو اختزالٌ غير دقيق، ولا يعكس التصريحات، ولا الحسابات الأردنية المركّبة تجاه هذه الأفكار التي ذكر الملك نفسه (في المقابلة) أنّها طُرحت سابقاً وليست جديدة.
بالعودة إلى جواب الملك، من الواضح أنّه أراد تجنّب معارضة الفكرة (بصورة واضحة ومباشرة) التي تسعى أطراف إقليمية وراءها منذ أعوام، بخاصة منذ مرحلة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وفي الوقت نفسه، طرح جملة من الأسئلة على الفكرة، مقيداً لها بتحديد المهمة بصورة دقيقة، عما إذا كانت بالفعل تخدم دول المنطقة جميعاً، وتحقّق أهدافا واضحة، حتى يجري القول إنّ الأردن يوافق عليها أم لا!لا يخفى على السياسيين أنّ الفكرة وراء هذا المشروع هي مواجهة إيران من خلال إدماج إسرائيل كقوة عسكرية مع دول عربية أخرى، وهو أمر له نتيجتان رئيسيتان: الأولى، تكريس المشروع الإسرائيلي بإضعاف أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها في المنطقة، وهي القاعدة التي بنيت عليها الاتفاقيات الإبراهيمية في التطبيع العربي - الإسرائيلي، وفي الاستعجال الإسرائيلي والضغوط على الإدارة الأميركية اليوم للقيام بعملية تطبيعٍ رسمي مع السعودية. الثانية، تعزيز حالة الاستقطاب والانقسام في المنطقة على أسس طائفية، وهذا أمرٌ خطير، يضع كل الشيعة العرب مع العراق وسورية (تقعان تحت النفوذ الإيراني) على حدود مواجهة خطيرة مع الناتو المفترض، ما يعقّد المشهد الإقليمي، ويدفعه نحو حافّة الهاوية.المفارقة أنّ العلاقات الأردنية - الأميركية قد تبدو على السطح السياسي في أفضل حالاتها عشية زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة، في منتصف الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، وقد تبدو كذلك أفضل حالاً غداة زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عمّان، ضمن جولته التي شملت أيضا مصر وتركيا. ولكن الحقيقة أنّ هنالك هواجس أردنية حقيقية في ما يتعلق بزيارة الرئيس بايدن (وحالة من الضبابية في ما يتعلق بالعلاقة مع السعودية) ترتبط بتوقيت الزيارة في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا ومجيء بايدن يلتمس إجراء صفقة مع السعودية والإمارات، ما نشّط المخططات والأجندة الإسرائيلية التي دخلت في مرحلة كمون، بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض وعدم حماس الإدارة الجديدة لها، وفي مقدّمتها تطوير التحالفات العربية - الإسرائيلية وتعزيزها في المنطقة، والتركيز على المواجهة مع إيران.صحيحٌ أنّ الأردن التقط أنفاسه مع خروج ترامب من البيت الابيض ومجيء بايدن (رغم أن العلاقات الأردنية تقليدياً كانت أفضل مع الجمهوريين في الإدارة حتى إدارة ترامب)، إلاّ أنّ الأخير، وإن كان قد خفّف الضغوط على الأردن للموافقة على "صفقة القرن" ومشروعات التطبيع الإقليمي ومباركتها، والمساهمة في إنهاء الملف الفلسطيني، لكنه (بايدن) لم يحمل أي تصوّر أو مشروع للتسوية السلمية، ولم يتراجع عن خطوات ترامب. ويبدو أنّ مشروع الأخير هو الأكثر قوة ومقبولية لدى الإسرائيليين وباقي الحلفاء العرب في المنطقة، ما يعني أنّ المصالح الوطنية الحيوية الأردنية في خطر في المرحلة المقبلة.يذكّر الأميركيون الأردن دوماً بأنّه أكثر دولة تتلقى مساعدات أميركية اقتصادية وعسكرية بعد الكيان الإسرائيلي، فضلاً عن الاتفاقية العسكرية الموقعة أخيراً بين الدولتين، ما يجعل الأمور على المستوى الاستراتيجي تبدو في قمّة التفاهم وفي حالة مثالية، لكن، مرّة أخرى، من الضروري التدقيق في هذا المشهد بصورة معمّقة من زاوية الشعور العميق لدى النخب السياسية الأردنية بتراجع الدور الإقليمي والمكانة الاستراتيجية الأردنية (بما يرتبط بالقضية الفلسطينية ومركزيتها) وبصعود اتجاه أميركي - إسرائيلي - عربي، يدفع نحو حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، والخشية الكبرى أن زيارة بايدن المنطقة تحمل في طياتها، بصورة غير معلنة، العودة إلى بعض أجزاء مشروع ترامب، تحت وطأة الحرب الأوكرانية، وبعد تعثر المفاوضات مع إيران.العربي الجديد