لا أظن مجتمعاً غير مجتمعنا يمتلك هذا الكم العددي الهائل من كل شيء, احزاب بالجملة, منظمات مجتمع مدني مال قبان «جملة الجملة», وزراء بما يفوق حاجة امبراطورية عظمى لا تغيب عنها الشمس, حملة شهادة دكتوراة في كل قرية وحارة, جامعات عديدة وخريجون من الجامعات بالملايين, ومع ذلك ما زلنا مجتمعا بائسا ويائسا, نعاني من فجوة معرفية, رغم كل الشهادات المحمولة, وما زلنا بعقلية الصحراء, رغم كل ادوات الحداثة المستخدمة, ما زالت عقلية الشيخ ولقب الشيخ أحب الالقاب الى عقولنا فبل قلوبنا, رغم المناصب والشهادات, رغم تراجع قيم العشي?ة ومنظومتها الاخلاقية والقيمية.
حملنا الشهادات ولم نحمل المعارف, حملنا الالقاب ولم نحمل قيمها واستحقاقاتها ولا نتحمل كلفتها, لدينا اكبر منظومة تدريب ومدربين, فلا يخلو يوم دون ان تتلقى دعوة لندوة او محاضرة, ولا تخلو قاعة من حلقة تدريب, ومع ذلك لا نراكم ادنى معرفة, ولم تنعكس كل هذه التدريبات والحلقات النقاشية على الاداء العام, فنحن اول دولة في المنطقة انشأت معهد الادارة العامة ومع ذلك نشكو من ضعف الادارة, لدينا معهد للاعلام يستقبل كل فصل اعدادا من الطلاب, لكن أثر المعهد على الحالة الاعلامية لا يذكر, منذ العام 1929 ونحن نمارس العمل البرلمان? باسماء متعددة ومع ذلك نشكو من ضعف الاداء البرلماني, لدينا عدد مهول من الاحزاب وليس لدينا حزبيين, نتحدث جميعا بل سياسة من ثقب الاوزون الى اخر تفاصيل الحرب الكونية الدائرة ومع ذلك ليس لدينا سياسيين.كل البناءات الافقية موجودة في مجتمعنا, ولم ننجح في بناء عامودي, في اي مضمار, حتى مضامير الرياضة, التي تستهلك مباراة واحدة جهدا واعصابا تفوق تنظيم كأس العالم, لم ننجح في وضع بصمة لنا فيها, مجتمع ماضوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى, دون امساك بكل منظومة الماضي, حتى المسؤول عندما يخرج من المنصب تتنزل عليه الحكمة, رغم انه وصل الى المسؤولية لصدفة او لنسب او لعلاقة شخصية, ولكن نصر على استضافته والاستماع الى افكاره النيرة, التي لا يرمش وهو يتحدث عنها, متجاوزا على ما كان يمارسه ويقوله اثتاء المنصب, نسمعه ونستضيفه لم?رد ان موقفه اليوم مطلوب او يلبي حاجة المؤسسة الداعية ويلامس غرائز الجمهور, لدينا مواقف ونبحث عن مواقف لا عن معارف.حالة السيولة في المجتمع, ليست وليدة صدفة, وليست منتجا لمؤامرة فقط, بل هي جزء من تركيبتنا, التي نجحت المؤامرة في قراءتها وتوضيب مشروعها وفقا لهذه المعرفة بالتركيبة المجتمعية, نحن نقدم الذخائر لكل راغب بالانتصار علينا واضعافنا, نحن لدينا كل شيء ولكن ليس عندنا شيء, ولكن ما العمل؟ هل نصمت على الحال ونكتفي بالتشخيص والتحليل, الجواب بالقطع لا, وبرنامج الانقاذ الوطني يجب ان يبدأ, وهذا يتطلب مكاشفة ومحاسبة, واعداد واستعداد, والتخلي عن الماضوية وادواتها, لصالح الحداثة وقيمها, فلا يجوز ان يكون اقتصادنا رأسماليا, ومج?معنا ريعي, ولا يجوز ان نتحدث عن انفراج سياسي, واحزابنا قائمة على فكرة التحشيد المصلحي او الجهوي, علينا ان حسم وجهتنا, ونلتزم بقواعد المرور الى تلك الوجهة, والا سنبقى نسير دون ان نعرف شكل خطوتنا او نهاية هذا المسير, ماذا نريد هو السؤال الاول, ثم ما العمل لكي نصل الى ما نريد, ثم جدية التطبيق للقواعد التي توصلنا الى ما نريد, والكرة في ملعب الجميع سلطة ومعارضة وشعب.omarkallab@yahoo.com