أصبح مجتمعنا الأردني يتسم نوعاً ما بمجموعة من المحددات، أهمها التأثير الخارجي المرتبط بالعولمة، الأمر الذي أثار بعض التفككات المجتمعية والتناقضات. شهدنا وما زلنا نشهد اهتزاز الارتباط بالتقاليد والهويات، مما دفع المجتمع المحلي إلى التمترس خلف خصوصياته الثقافية في سلوك دفاعي.
بدأ المجتمع بخلط النظام السياسي بالنظام المجتمعي وخلط الديمقراطية بالاقتصاد. وصارت الديمقراطية كلمة يلوكها الجميع وليس بالضرورة يطبقها الجميع. انتشار هذه القيمة السياسية والأخلاقية تُثبت أن الديمقراطية مطلب عزيز للشعوب ولكن ليس كل نظام ديمقراطي هو نظام ناجح اقتصادياً ومجتمعياً. ان العلاقة بين الديمقراطية والدولة علاقة معقدة وتحتاج الى ضبط. ان بناء الدولة وبناء الديمقراطية ليسا شيء واحد. وظاهرة الادعاء بالتمدن كرديف للعشائرية هي ظاهرة تحتاج التصويب حيث أن التمدن ليس له علاقة بالديمقراطية ولا حتى بالتطور الاقتصادي. فالحفاظ على التوازن المجتمعي يكون ناجم عن التوازن بين قوى المجتمع ويبقى التطور مستمراً ما بقي التوازن دائماً.اتصف النظام العشائري الأردني بالمرونة العالية التي أهلته لمواكبة التغيرات واستيعابها قناعةً بأن كل شيء يتوقف على الأداء، ولا من ضمان لأي نظام سياسي فكل شيء يتوقف على الأداء والنتيجة. إن كل بحث سوسيولوجي ينطلق من ظاهرة اجتماعية لها وجودها داخل الواقع الإنساني الملموس، وإن كل حدث أو تصرف اجتماعي يخضع إلى محددات سوسيولوجية. إن العشائرية تختلف عن التمدن ولا تتناقض معها ولا تتعارض مع المصلحة العامة. فالمصلحة العامة تأتي جراء فعالية المؤسسات والإيمان بالقيمة الاجتماعية للمؤسسات وفعالية النظام في حل المشاكل الكبرى للمجتمع.إنّ الغاية هي تعلّم كيفية تنظيم المجتمع بشكل أفضل من أجل تحقيق التطور الاقتصادي والسعادة المجتمعية. من أجل تحسين البلد يجب على الفرد أن يحسّن نفسه. إذا استطاع الفرد إتقان نفسه، تتجه العائلة إلى الكمال، ومن العائلة ينتقل التأثير للشعب، ومن ثم من الشعب إلى البلد. وهنا يُطرَح تساؤل دائم عن استطاعة الشعب تصميم أنظمة اقتصادية وسياسية مُناسبة لهم، وإلى أي مدى يتأثر رأس المال والاقتصاد بالتأثيرات الشعبية.
يُعرَّف الاقتصاد السياسي بأنه أحد فروع العلوم الاجتماعية الذي يركز على العلاقات المتبادلة بين الأفراد والحكومات والسياسات العامة بينهما. فلا العشائرية ولا التمدن تؤثران بالاقتصاد بل العلاقة بين أفراد المجتمع ومساهمتهم في التطور هو حجر الأساس.
ان جميع المكونات السياسية على امتداد الدولة الأردنية صنيعة ظروف تاريخية سياسية واجتماعية، وهي ذات قيمة نسبية بقدر ما يتصل الأمر بالتقدم الاجتماعي والإنساني. نحن بحاجة الى التحرر من تسلط الايدولوجيات من أجل إدارة حياتنا وشؤوننا بطريقة أفضل. نحن بحاجة الى نسق من المعتقدات يفسر الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً ضرورياً.في تصوري فان كلاً من العشائرية الأردنية أو من يدعون بالتمدن والمدنية يمكنهم إيصال المجتمع الأردني إلى مستوى إبداعي مستقل لو ابتعدنا قليلا عن التفكير بالاسم وبدأنا بالتفكير بالفعل ومشتقاته، فالواقع السياسي والاقتصادي الأردني لا ينفصل البتّة عن المتغير المجتمعي. ومن الجدير بالذكر أن جلالة الملك عبدالله الثاني يوظف الفكر السياسي للدولة الاردنية ويحدد أدوار نجاح ديمقراطيتها المتجددة عبر الورقة النقاشية الثالثة المؤرخة بتاريخ 2 آذار/مارس 2013، ووفقاً لرؤى جلالة الملك في الورقة النقاشية الثالثة فان نجاح تجربة الحكومة البرلمانية يحتاج الى ثقافة مجتمعية متجذرة وفهم مشترك، كما أن "مفهوم الديمقراطية لا ينحصر في تعبير الأفراد عن آرائهم ووجهات نظرهم، بل إنه يشمل العمل لتحويل ما ينادي به الأفراد إلى خطط عمل مشتركة باقتراحات واقعية وعملية تسهم في تقدم الوطن".