ما تزال أصداء الخطاب الطويل (73 دقيقة) الذي ألقاه الرئيس الروسي بوتين خلال مشاركته في الجلسة العامّة لمنتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، تتردد في الفضاءين الأوروبي والأميركي، خاصّة بعدما وضع حدّاً لآلة الدعاية الأميركية/والأوروبية. التي تتحدّث عن هزيمة روسية قريبة وعن بحث «روسي» للخروج من المأزق الذي وضع بوتين نفسه فيه – كما تقول آلة الدعاية الغربية – في ظل «إخفاقات الجيش الروسي واستنزاف قواه ونفاد ذخائره ومعداته وانخفاض الروح المعنوية للجيش الروسي» فضلاً عن «التأثيرات المدمرة للعقوبات الأميركية والغربية على?الاقتصاد الروسي».
وإذ يواصل المعسكر الغربي اتهام روسيا بالمسؤولية عن ارتفاع اسعار الغاز في أوروبا وتحميلها مسؤولية ارتفاع أسعار السلع الغذائية في العالم, وبروز مؤشرات عن مجاعة ستلحق بالدول الفقيرة جراء حصارها الموانىء الأوكرانية، فإن بوتين لفت وفي لهجة تحدٍ أن «اختفاء الأسمدة يعني انخفاض انتاج السلع الغذائية، ما ينذر بالجوع حول العالم، فإنه حمّل المسؤولية للولايات المتحدة. لافتاً «نحن شعب قوي وسنتعامل مع أي مشكلة, وهذا يتضِح من تاريخ بلادنا الممتد على مدى ألف عام».هنا راح بوتين يُعدّد جملة من العناوين ويؤشر إلى سلسلة من الملفات ويرسل المزيد من الإشارات، نعى في مقدمتها عالم ما قبل العملية الروسية الخاصّة في دونباس, مُذكّراً بما قاله في مؤتمر دافوس قبل عام ونصف, بأن «العالم أحادي القطب قد انتهى, وأن هناك محاولات مُضنية لمحاولة استعادته، مُكرِّراً إلى أنه «لم يعد من الممكن تجاهل مصالح مراكز القوى الجديدة في العالم».لم ينسَ بالطبع التأشير على الفشل الأميركي/الأوروبي في تدمير الاقتصاد الروسي, خاصّة في سعي الغرب إلى انهيار العملة الروسية/الروبل, ورهان واشنطن وبروكسل خصوصاً على أن الدولار الواحد سيساوي أكثرمن «200» روبل، فيما كان قبل 24 شباط الماضي يساوي بين 68/72 روبلاً, مُعتبراً/بوتين أن السبب في عدم تحقق توقعات الغرب في هذا الشأن هو أن «قطاع الاقتصاد الروسي يعمل بكفاءة", مُراهناً على قوة الشعب الروسي وقدرته على التعامل مع أي مشكلة, إضافة بالطبع إلى غمزه من قناة السياسيين الأوروبيين الذين أضرّوا –وفق وصفه– باقتصادات بل?دهم, كون عواقب العقوبات التي فرضوها على روسيا ستكون (400) مليار دولار على الاقتصادات الأوروبية.ثمّة مؤشرات عديدة تؤكّد صحّة ما ذهب إليه بوتين, بدليل ارتفاع الاحتجاجات الشعبية الأوروبية وبروز تيارات داخل دول الاتحاد الأوروبي (كما دول حلف الناتو), تدعو للإهتمام بارتفاع الأسعار وتراجع مستوى المعيشة وتذمر من أعداد اللاجئين الأوكران، بل والمطالبة بترحيلهم أو ضبط الفوضى التي يتسببون بها في المجتمعات المضيفة, ناهيك عن توفير أثمان السلاح الذي يضخّونه لأوكرانيا, لكبح التضخم ومواجهة النقص المتزايد في توريد الغاز الروسي إلى أوروبا.التفصيلات التي تحدث عنها بوتين إن لجهة فقدان الإتحاد الأوروبي لسيادته, وخضوعه للإملاءات الخارجية/الأميركية بالطبع وأنه/الإتحاد ينفذ ما يُملى عليه، كما تجاوز التضخم مستوى 20%, أم لجهة حديثه عن خطر ذهاب عوائد القمح الأوكراني لتمويل صفقات سلاح لكييف...مهمة ولافتة, لكن ما هو أكثر أهمية هو تأكيده أن «كل» أهداف العملية العسكرية الروسية «ستتحقّق", مشيراً إلى أن «السيادة» في القرن الـ"21»، غير قابلة للتجزئة, مُعتبراً أن الغرب كان «سخيّاً» في رفع درجة العِدائية ضد روسيا وخلق جو مسموم من الروسوفوبيا, مُجددا التأكيد ?ن «روسيا لن تخضع لمحاولات الغرب فرض العزلة عليها».في السياق تبرز تصريحات السفير الروسي في واشنطن لمجلة «نيوزويك» الأميركية, عندما «حذّر» من خطر اندلاع حرب بين روسيا والولايات المتحدة, مُتهماً المسؤولين الأميركيين بـ"قِصر» النظر في الظروف الحالية، كون النخبة المحلية الأميركية مهووسة برغبة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا, وتعمل على تصعيد التوتر وضخ الأسلحة إلى نظام كييف. مُكرِّراً ما كان قاله بوتين أمام منتدى بطرسبورغ بأن «الجهود الأميركية لن تؤثر بأي حال من الأحوال على تصميم الجيش الروسي, على إنجاز المهام المحددة خلال العملية العسكرية الخاصّة, لحماية سكان دو?باس وتجريد أوكرانيا من السلاح» كما قال.في السطر الأخير.. ليس ثمّة شكوك بأن المرحلة الأخطر في الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا لم تأتِ بعد، وأن إحتمال الإنزلاق إلى مواجهة أوسع مما هي عليه الآن مسألة وقت, لن تبقى مقتصرة على روسيا وأوكرانيا (رغم أن الناتو يُشارك فيها بقوة, عبر ضخ السلاح والمُدربين والمعلومات الإستخبارية). ما قد يعبّد الطريق لحرب عالمية ثالثة, حال واصلتْ واشنطن/الناتو التمسّك بأوهام إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.kharroub@jpf.com.jo