تحتل حقوق الإنسان صدارة اهتمامات الدول الغربية، حيث تدعي الدول الأجنبية بأنها راعية لحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، وبأنها تولي هذا الموضوع جُلّ أهميتها. فتتسابق الحكومات الغربية على إصدار التقارير السنوية التي تسلط الضوء على واقع حقوق الإنسان في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية، موجهة سهام نقدها إلى السلطات الحاكمة في تلك الدول، واصفة إياها بأنها معادية لحقوق الإنسان، وبأنه يتعين عليها العمل أكثر على تعزيزها وحمايتها، لكي تتشبه في هذا السياق بالديمقراطيات الحرة في الدول الأوروبية.
ويتسع نطاق التهديدات الغربية للدول التي تتنكر لحقوق الإنسان إلى حد التلويح بحرمانها من المساعدات والهبات السنوية، أو إعادة النظر في تقييمها وتخفيض درجاتها على سلّم حقوق الإنسان. وقد وصل الأمر بالدول الغربية أن استعملت حقوق الإنسان ذريعة لاحتلال دول عربية واسقاط أنظمة حاكمة، نجم عنها حالة من الفوضى السياسية والشعبية لا تزال المنطقة ككل تعاني منها منذ سنوات.وفي خضم الحملة التي تقودها الأنظمة الغربية للدفاع الشرس عن واقع حقوق الإنسان في بلادنا العربية، تتسارع مجريات الأحداث في العاصمة البريطانية لندن، التي تشهد هذه الأيام معارك قانونية طاحنة تتمثل في صدور القرار عن الحكومة البريطانية بترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا، والتي أبرمت معها قبل شهرين «اتفاقية هجرة» تنص صراحة على قيام الدولة الإفريقية باستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء الذين عبروا الحدود البريطانية، وقطعوا القناة الإنجليزية «المانش» من فرنسا بطريقة غير قانونية.وعلى الرغم من الطعون القضائية التي جرى تقديمها إلى المحاكم البريطانية في محاولة لوقف عملية الترحيل، إلا أن القضاء البريطاني قد رفضها جميعها، حيث قضت المحكمة العليا قبل أيام بشرعية المضي قدما في خطة ترحيل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا، مستندة في قرارها إلى أنه لا توجد هناك أي أدلة على أنه ستحدث أي ممارسات تنطوي على سوء معاملة أو إعادة قسرية للأشخاص الذين تقرر ترحيلهم، وذلك خلال الفترة التي سيقضونها في رواندا.وقد دفع هذا الحكم القضائي الحكومة البريطانية إلى تحديد موعد إقلاع الطائرة إلى مدينة كيغالي عاصمة رواندا يوم 14 حزيران، وبأنها ستمضي قدما في تنفيذ قرار الإبعاد، حتى ولو كان على متن الطائرة مهاجر واحد فقط.ليأتي الفرج من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي قُدِم لها طعن من قبل الفريق القانوني لأحد المهاجرين الذين تقرر إبعادهم، ليصدر عنها قرار قضائي مستعجل بوقف عملية الترحيل، مما دفع الحكومة البريطانية إلى إصدار القرار باللحظات الأخيرة بوقف مغادرة الطائرة إلى رواندا.إن هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان لو كان قد شهدها أي بلد عربي لسارعت كافة الجهات والمنظمات الدولية إلى الصراخ والتباكي على حقوق اللاجئين، مهددة باتخاذ أقصى الإجراءات بحق الحكومات المناهضة لحقوق الإنسان، والتي سيتم وصفها بأبشع العبارات والأوصاف.إلا أن المجتمع الدولي قد اختار طوعا واختيارا أن يتجاهل هذه الخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان كونها صادرة عن دولة أوروبية كبرى هي بريطانيا، التي هي من الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية للاجئين لعام 1951. فجاءت المواقف الرسمية والتصريحات الأممية خجولة، إذ اكتفى مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بوصف خطة المملكة المتحدة بإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا بأنها «خاطئة بالكامل».وعليه، ستبقى حقوق الإنسان هي المطيّة التي ستستعين بها الدول الغربية لفرض سيادتها ورقابتها على الدول النامية، والحجة التي من خلالها ستتدخل في شؤونها الوطنية، متناسية ما يصدر عن حكوماتها من قرارات تعتبر وصمة عار في سبيل الحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
حقوق الإنسان من منظور غربي
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
حقوق الإنسان من منظور غربي
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي) ـ