قبل فترة جلست مع مجموعة تروج لحزب سياسي, سألوني عن رغبتي في الدخول معهم وخوض التجربة, وقد علقت بعد حديث مطول: أن الحزب يحتاج لمطبخ سياسي... أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب قال: يوجد مطبخ في المبنى الجديد الذي نخطط لاستئجاره... ضحك الحزب وأنا ضحكت, واكملنا الحوار... يبدو انه لم يسمع كلمة سياسي, وظن أني اتحدث عن مطبخ فقط.
في البداية طرحت لهم مسألة الايدلوجيا, تحدثت عن البعث عن مفهوم الايدلوجيا البعثية بين ميشيل عفلق ومنيف الرزاز, مثلاً طرحت فكرة قيام منيف الرزاز بانتقاد النظرية البعثية كاملة ومحاولة جرها للموروث العربي الاسلامي، وخلافه العقائدي العميق مع ميشيل عفلق.. وكيف أن طروحات منيف الرزاز لم يأخذ بها وانتصر تيار عفلق, الذي كان في لحظة يبرر الدم.. وكيف أن مقولة عفلق المشهورة: (حتى يستمر النيل في جريانه لابد ان تقدم له القرابين)... كانت مبرراً للتصفية في بواكير تسلم الحزب دفة الحكم في العراق..بعد ذلك تحدثت عن ضرورة وجود منظر للفكرة, الحزب في النهاية هو فكرة جديدة تجمع الناس حولها, وينبثق عنها رؤية سياسية واجتماعية ومنهاج عمل ومبادئ..ثم طرحت نموذج (تروتسكي) منظر الحزب الشيوعي, وكيف أن العسكر في لحظة انتصروا على الايدلوجيا وسحبوا الحزب الشيوعي باتجاه تفكير ستالين.... وتم اغتيال العقل, لصالح البندقية.بعد ذلك اوغلت في مسألة الهوية, وطرحت مفهوم الثورة الثقافية في الصين.. والتي كان الهدف منها في عهد ماوتسي تونغ, تحصين المجتمع الصيني... ولم يقرأها البعض في اطار رجعية الحزب ابدا فقد قرأت في اطار فلسفة ماوتسي القائمة على تغير البناء في النظرية الشيوعية وفي التطبيق الاشتراكي, حين وجد في الزراعة الأساس الحقيقي لبناء المجتمع بعكس الاشتراكية السوفياتية.. وحين وجد في الثورة الثقافية مسارا لحماية الهوية والمجتمع من التلويث, باعتبار ان المنتج الثقافي الإمبريالي يهدف إلى مسخ العقل وجعل الفرد مستهلكا وعبئا..طلب مني الرفاق في الحزب الجديد أن اكمل, واكملت حديثي عن تجربة الشيوعيين في عالمنا العربي... والصراع الذي دار بين القوميين في العراق والشيوعيين وما تمخض عنه من دم, ونبهت إلى الفرق بين النضال المسلح والنضال السلمي.. وكيف أن الحزب الديمقراطي المسيحي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, أعاد بناء ألمانيا على قاعدة اقتصادية, وجعل الاقتصاد أولوية على السياسة والدور..كنت مندفعا, وغارقا في شرح الفكرة والغاية من الحزب... وفي لجة الحديث قاطعني أحد اعضاء المكتب السياسي, واحد الأعضاء المؤسسين... وقال لي: (يا استاد ترى احنا عنا برنامج لتطوير المؤسسة الاستهلاكية المدنية وفتح فروع جديدة), واخذ الحديث مني باتجاه المؤسسة الاستهلاكية, وكيف ان الحزب يفكر جديا, بجعل المؤسسة مثل الأسواق الحرة...الأمين العام للحزب في طور التأسيس اثنى على الفكرة, اقصد فكرة المؤسسة الاستهلاكية, وشرح لي عن رؤية الحزب للشباب, واكد ان الاغاني (المايصة) خربت عقول الناس, ثم قدم لي شرحا مستفيضا عن (الزلم) وانهى الحديث بالقول: (احنا بدنا زلم مو اعضاء.. وحياة شاربك لو بدي اعضاء كان لميت خمسين باص, بس انا بدور ع زلم..)خجلت من الحديث الذي قدمته, وانسحبت بهدوء من النقاش, وبدأت استمع للحوارات, وفي النهاية قدمت فكرة لهم عن القضاء على العزوبية, واقترحت تأسيس بنك للمهور ودعم الزواج.. وصوت اعضاء المكتب التأسيسي بالاجماع...انهينا الحوار, وفي طريقي للمغادرة نصحني احد اعضاء المكتب السياسي بأن اركز على الأمور المحلية وقالي لي: (يا اخو خضرة فكك من ماوتسي وعفلق.. هذول ما بطعموك خبز)... وانا اثنيت على على كلامه.. فعلا ماوتسي تونغ وميشيل عفلق (مابطعموا خبز) على رأي صاحبنا..المهم تبين لي أني الجاهل الوحيد في الجلسة..Abdelhadi18@yahoo.com