لا أعتقد حقاً أن الأردنيين فرحوا يوماً لحكومة جاءت منذ ثلاثين عاماً، بل ولم يتفق أحد عليها، ولم يستطع أحدٌ منا أن يزّن أي حكومة في ميزانها الحقيقي، حتى أصبح الكارهون أكثر من المحبين، حتى وصلنا الى اليوم الذي نعجز فيه اليوم أن نختار افتراضياً رئيساً للحكومة أو وزراء يستطيعون انتشال هذا البلد من لعنة الدَين وعجز الموازنات وتحقيق الرفاه، لذلك سيبقى أي رئيس لو جاء معه من جاء مكبلاً بالحقائق والوقائع التاريخية التي نعرفها منذ عشناها زمن حكومات حقبة الثمانينات، وعندما بدأ الانهيار المالي في الجزء الأخير من ذلك العقد، الذي قذف بنا الى صندوق النقد الدولي.
اليوم أسهل شيء عندنا أن نصب جام غضبنا وتعليقاتنا على أي وزير أو مسؤول في الإدارة الأردنية كبُر ذلك أم صغُر، وفتح لنا الفضاء الإلكتروني عموما منصات قاذفة ترمي لهباً وشرراً، وكثير من الذين يدلون بدلوهم ليس لديهم سوى المجرور المعلوماتي الذي قد يأتي من شخص أو جهة ترمي الكرة وتتركها تتقاذف بين أصابع المعلقين، ولكن لو اخترنا أذكى معلق عبر فضاء الإعلام المفتوح والسوشال ميديا ليكون وزيرا أو حتى رئيسا للحكومة سيواجه ذات المصير الذي واجهه ويواجهه أصحاب المراكز الحكومية، ذلك أن تباطؤ النمو الاقتصادي والحصار السياسي سيجعله حبيس حيرته.ولهذا نرى أن قضية أسعار الدجاج أخذت منا أسابيع يتحاور بها الجمهور وينددون بها وهذا بالطبع ليس رأي الجميع بل إن الدجاج تم استهلاكه وإن كان بحدود أضعف، وننسى أن المواد الأكثر أهمية كالأرز والزيوت والبقوليات والقمح واللحوم الحمراء وغيرها من الأصناف قد ارتفعت بأكثر من الضعف وبسرقة ذكية عبر تثبيت بعض الأسعار وتقليل الوزن المغلف، حتى وصلنا الى رفع أسعار المشتقات، البنزين بأنواعه والديزل، وهذا الارتفاع رغم غضبنا، قد سبقتنا به دول العالم، حتى دول العالم المنتجة للنفط، مع الأخذ بعين الاعتبار معدلات الناتج المحلي ونسبة الدخل للفرد أو الرواتب.التضخم قادم، ونسبة النمو لن تتعدى 3 بالمئة حسب قراءات البنك الدولي نظرا للظروف العالمية، والعجز في الميزانية التي اعتدنا عليها لا تزال تراوح مكانها، والتوظيف الذي هو معيار النشاط الاقتصادي بات ضيقا جدا، يقابله عشرات الآلاف من الخريجين من غير المهنيين، وكل مصادر الدخول الخارجية التي كان الأردن معتادا عليها قد توقفت أو تم تخفيضها الى درجة الاستحياء، وهذا بالطبع ليس تبريرا كي ننام في البرّية، بل توقع منا أننا سننام بين القبور وستلفنا الكوابيس على مستقبل قادم سيضيق بنا رغم اتساع السماء.من هنا نرى أن لا نعتمد على ما سيأتي من علم الغيّب بل على الأردنيين أن يعيدوا حساباتهم الدفترية وفي بيوتهم قبل أن نهاجم القرار القادم لا محالة، وأن نستيقظ من سباتنا رغم حراكنا اليوم بمئات آلاف المركبات التي تسير على الطرقات بحاجة ودون حاجة، وأن نستعد للتقشف في منازلنا، أو على الأقل إعادة هيكلة المصاريف المنزلية لغايات التدبير والابتعاد عن التبذير، وتغيير عاداتنا التي نفاخر بها بالكرم والولائم والأعراس وحفلات التخرج لغايات التباهي، فمن يراقب كثيرا من المناسبات في الفترة الأخيرة يرى الكم الهائل من الأطعمة التي ترمى خارج الذوق، و فقدان التكافل الاجتماعي حتى بين الأسرة نفسها.صدقوني أنني رأيت في شارع واحد بإحدى المدن القريبة من عمان أكثر من عشرين مطبخا للمناسف، جميعها تعمل عبر فترتي الغداء والعشاء وتنتج مئات صحون المناسف غالبيتها لمناسبات العزّاء وقليل للأعراس، فأي عقلية ستبقى متلازمة التبذير والهدر المالي، في ظل معدلات فقر وبطالة تجاوزت حدود المعقول، وتترك شبابنا فريسة للإحباط والتذمر والتسكع غير النافع، فيما أرباب العائلات يكدوّن لتدبير نفقات عائلاتهم، حتى ممن يحققون دخولا جيدة لا يستطيعون الوفاء بالتزامتهم.اليوم يجب أن يكون مرحمّة لا أيام ملحمّة، وحالات التقشف باتت تلف دول العالم في ظل غلاء حاد في أسعار السلع التي قد نستيقظ يوما فلا نجدها، بينما أصبح الجميع يتهافتون على النقاش السياسي العقيم دون أفكار ولا خطط حقيقية تنتشلنا من المأزق القادم وشح في المالية العامة، ولهذا علينا إنقاذ أنفسنا بمواجهة الحقيقة أن نصف الرغيف بات حقيقة، وغير ذلك ستنهار بيوت العزّ والكرم التي قتلتنا بالمباهاة، فالتدبير التدبير حتى يأتي الله بأمره.Royal430@hotmail.com
مرة أخرى.. يا أردنيون أنقذوا أنفسكم
مدار الساعة (الرأي) ـ