مع بدء «الوسيط» الأميركي/عاموس هوكشتاين, جولته الجديدة في بيروت بعدما «ناشده» مسؤولون لبنانيون القدوم على وجه السرعة, كي يُكمل وساطته التي أجبرته إسرائيل بل عندما تضامن معها إثر رفضها المُطلق الخرائط الجديدة, التي كان الوفد العسكري اللبناني قدّمها عند بدء الجولة الخامسة والأخيرة من المفاوضات غير المُباشرة بين لبنان وإسرائيل, ما أدى إلى توقّفها منذ آيار 2021 حتى الآن.
لم تعُد الحرارة إلى ملف ترسيم الحدود البحرية إلا قبل أيام, وتحديدا إثر إعلان تل أبيب وصول الباخرة اليونانية «إنيرجيان باور» الى حقل «كاريش» الواقع عند الخط/29, هذا الحقل وإن كان مُدرجاً على أجندة التفاوض بينهما إلّا أن الوفد الصهيوني رفض (في الجولة الخامسة) المطالب اللبنانية إضافة 1430 كيلومتراً مربعاً, إلى المساحة التي كانت مُخصصة للبنان وهي 860 كم مربعاً.شعر اللبنانييون مع وصول الباخرة اليونانية أنّ إسرائيل تسعى لفرض الأمر الواقع، ليس فقط لحثّهم على العودة إلى التفاوض, وإنّما للتأكيد على أنّها ماضية قدماً في استخراج غاز (ونفط) هذا الحقل, الذي يحتوي على ثروة غازية ضخمة تقدّر وفق شركة انيرجيان بـ«1.2 ترليون قدم مكعبة» إضافة إلى 34 مليون برميل من النفط الخفيف، تزعم إسرائيل أنّه حقل يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة.ما يلفت الانتباه لبنانياً أنّ «النُخب» السياسية في لبنان ما تزال مُنخرطة بكليتها في معارك عبثية تستهدف من جملة أمور أخرى تصفية حسابات قديمة/متجددة بينها, وفق القواعد المذهبية/والطائفية وخصوصاً الشخصية, رغم كامل الخراب وحال الإفلاس السياسي والاقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي والاجتماعي, وغياب الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر وغلاء المعيشة والبطالة، لكن الزعامات المُترفة غير معنية بهموم الجمهور اللبناني الذي لا تحتاجه إلا في موسم الانتخابات, وبعدها تواصل تبادل القصف الكلامي ونصب الأفخاخ وتسعير الخلافات الطائفية/والمذهبية، ما تجلّى في الخلاف الحاد الذي ما يزال قائماً حتّى الآن في شأن استغلال الثروة النفطية والغازية، وهناك مَن يُفضّل عدم استخراجها لأنّ الثروة النقدية التي ستنتج عن استخراجها, ستسهم في ازدهار مناطق ذات مذهب أو طائفة معينة، فيما تواصل إسرائيل البروز كإحدى الدول المنتجة للغاز. والتي باتت معظم دول الإقليم وأوروبا تتودد إليها طالبة زيادة إنتاجها, بهدف تعويض مقاطعتها الغاز/والنفط الروسييْن.وإذ أعلن أمين عام حزب الله امتلاكه القدرة على إجبار إسرائيل وقف استخراج الغاز حال طلبت الحكومة اللبنانية منه، فقد خرجت أصوات مُعارضة بل مُندّدة/ومُشككة بأهدافه, وذهب بعضها بعيداً في اعتبار التهديدات التي أطلقها أفيف كوخافي/رئيس أركان جيش العدو بأنّ بنك الأهداف لدى جيشه يتعدى عشرات الآلاف, وسيشهد لبنان قصفاً ودماراً غير مسبوقين, ذهب هؤلاء إلى اعتبار أنّ ضرب إسرائيل تلك الأهداف, إنّما سيكون ضرباً لأهداف إيرانية في لبنان وليس أهدافاً لبنانية.ما يدفع للاعتقاد أنّ «المواجهة» بين الأطراف اللبنانية المتصارعة وصلت ذروتها, وهو أمر تستثمر فيه تل أبيب بقوة, مدركة أنّ الوقت مناسب جداً لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، إن لجهة البدء باستخراج غاز حقل كاريش «الترليوني», أم خصوصاً بثّ المزيد من الفُرقة والعِداء بين النُخب اللبنانية المُتصارعة، خاصة على أبواب استحقاقين مُهمين، الأول تسمية رئيس جديد للحكومة, والثاني انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهما استحقاقان يكتسبان أهمية إضافية على الصعيدين الطائفي/والمذهبي بامتداداتهما الإقليمية.ماذا بمقدور هوكشتاين فعله؟من السذاجة الاعتقاد أنّ المسؤول الأميركي هذا, الذي خدم في جيش الاحتلال ويحمل الجنسية الإسرائيلية هو وسيط «نزيه». بدليل ما نقل عنه من أحاديث وتصريحات لعلّ أبرزها أنّ لبنان «يُدرك أنّ أيّ شركة عالمية لن تعمل في المياه اللبنانية قبل التوصل إلى اتّفاق نهائي مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية». الأمر الذي يجد تفسيره بالفعل ميدانياً إذ لم تتقدّم أي شركة تنقيب عالمية/أو إقليمية للمشاركة في مناقصات الترخيص التي طرحتها الحكومة اللبنانية للجولة الثانية وتنتهي بنهاية الشهر الجاري، فيما تَحالف شركة توتال/الفرنسية وإيني/الإيطالية ونوفاتك/الروسية, الذي وقّع أول عقوده للتنقيب في العام 2018 لم يباشر عمله إلّا فترة قصيرة غادر بعدها لبنان. أمّا إسرائيل فقد بدأت إنتاجها في حقليّ تمار/وليفاتان وباتت عضواً مُهماً في نادي الدول المنتجة للغاز التجاري بعوائده المليارية.أمّا نُخب لبنان المُتصارعة فتُواصِل الدوران في حلقة مفرغة، فيما شعبها يغرق في الفقر والبطالة والعتمة.. حيث لا كهرباء في بلاد الأرز.kharroub@jpf.com.jo