قطر صغيرة جداً, لا تكاد ترى على الخارطة.. ولكنها ستحتضن قريباً أكبر حدث عالمي رياضي وهو: كأس العالم.. كيف لدولة صغيرة في الشرق الأوسط, أن تفعل ذلك؟...
مثل كل الدول الثرية في العالم, استوردت (اللامبرغيني), (المازارتي).. وطاف شبابها على الشواطئ في اليخوت الفاخرة, وارتدوا ساعات (الرولكس).. لكنها لم تركز على النمط الاستهلاكي الذي تفعله الشعوب المترفة.. هي ببساطة استوردت (العقل) العربي المتنور, وكان هذا هو أهم ما استوردته وركزت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة.. لهذا أنتجت مشروعها الاقتصادي الخاص والسياسي الخاص.. انتجت دورها الذي تختلف أو تتفق معه إلا أنه يبقى دوراً مهماً وحيوياً..دول عربية كبيرة بتاريخ عريق, وبمعارك طاحنة تزين جدران متاحفها, وبانجازات هائلة تقبع في صفحات التاريخ لم تجرؤ حتى على التفكير باحتضان كأس العالم, بالمقابل دولة صغيرة على طرف الخليج ستخطف أنظار العالم نهاية هذا العام..في تغطية اخبار اغتيال شيرين أبو عاقلة, كان يطل المذيع التونسي والمصري والموريتاني والفلسطيني من على شاشة الجزيرة, ويتحدث بما يشاء دون املاءات من وزارة الخارجية القطرية ودون تدخل.. كانوا يحضرون ضيوفهم من كل مكان, وينثرون تعاطفهم مع القضية الفلسطينية.. ويبكون على الهواء من دون أوراق مكتوبة يقرأون عنها ومن دون توجيه أو برمجة مسبقة, ومن دون قصائد تشيد بحكمة الشيوخ..في عالمنا العربي, نسينا أهمية العقل في الدولة والقرار, وتحالفنا مع الموظف.. بالمقابل قطر هي الدولة الوحيدة التي استوردت العقل المنفي والمحاصر والمحكوم بالمؤبد, واستوردت الوعي الذي تكرهه السلطة, وفتحت لكل الخائفين في العالم العربي منابرها, ولكل المطاردين.. ولكل من حملوا الرفض أو احترفوه..تجربة قطر، اختلفنا أو اتفقنا معها, تحتاج لقراءة معمقة.. فأنا حين شاهدت أمس على شاشات الجزيرة حجم ما بنوا وما انفقوا, من أجل استضافة كأس العالم.. تذكرت أمة منذ (60) عاما وهي تستضيف في عواصمها مؤتمرات القمة العربية.. وقد دفعت دولها على هذه المؤتمرات مئات الملايين لدعم صمود الشعوب ومقاومة الاحتلال.. ولكن كل القرارات رميت وكل المؤتمرات كانت مجرد ذكريات للخيبة.. بالمقابل دولة استطاعت أن تقدم ملفاً ملفتاً لاستضافة كأس العالم ونجحت في ذلك.. والاهم أنها ستجمع العالم على ارضها وهي التي ستقرر وسينفذ العالم قراراتها.أنا لم احب الغاز المسال ولا النفط.. ولم ازر قطر في حياتي إلا مرة واحدة, ولا اخطط لزيارتها.. ولا اعرف قطريا, ولست معنيا بان انتج صداقة معهم.. ولكن وظيفتي تلزمني بأن أقول إن التحالف مع العقل مع المتنور مع المثقف.. هو الذي يحمي القرارات وهو الذي ينتج دولة ومشروعا وعمقا ومحوراً...حين يبدأ كأس العالم في قطر, سيكتب الكثير من الناس على وسائل السوشيال ميديا والصحف.. كلمات تعبر عن انبهارهم بالتنظيم, وعن قوة هذه الدولة.. وسينسون حتما أن القصة ليست في المال بل تكمن في الإرادة واحترام الوعي وتقدير العقل.abdelhadi18@yahoo.com