أنا أمشي مثل كل الناس في حدائق الحسين... لإزالة الكرش, والقضاء على الكوليسترول...
وقد كنت أغضب حين تمر البنات ويقلن لي: (عمو)... كانت كلمة (مؤلمة), ولكني مع الزمن تعودت عليها... وتقبلت الألم.يا ليت أن الأمور توقفت عند كلمة (عمو), لقد تجاوزتها بكثير... فقد مشيت في الحدائق أمس, وأنا أعرف نفسي تماما, فحين أصل لمنتصف (الطلعة)... تتصاعد أنفاسي ويبللني العرق, وأجبر أن أتوقف قليلا... للراحة, ومثل كل مرة توقفت... لحظتها مرت بجانبي صبية, تشبه الكرز.. أو أشهى بقليل نظرت لي وقالت: (بدك مساعدة عمو)... كان من الممكن أن تقول: (هاي عمو), (يعطيك العافية عمو).. كان من الممكن أن تقول: (انت بتجنن عمو).. سأتقبل أي جملة ولكن كلمتها كانت مؤلمة كثيرا.حبست الكلمات في داخلي وقلت: (شكراً).. وكان بودي أن أخبرها أني احتاج لمساعدة... احتاج لمن يعيد لي رفاقي الذين غادروا العمر في لحظة.. وقرروا أن يصبحوا مجرد ذكريات, كان بودي أن أخبرها بأن الحبر جف لدي.. وصرت ألملم الكلمات.. من عيون ابني ياسر مرة, ومن طرقات الباب مرة.. ومن بقايا القهوة مرات أخرى... كان بودي أن أخبرها, أني أريد أن اصحو مجددا على رائحة البيض مع السمن البلدي.. والذي كانت تعده أمي لي معتقدة أن السمن البلدي هو الدواء لكل العلل.. وقد غادرت أمي وبقيت الرائحة..كان بودي أن أخبرها, بأني محتاج لمن يساعدني.. في لملمة أوراق العمر التي تساقطت على أدراج من النسيان والتهميش والتشظي, وقبلنا أن نكون تلك الأوراق... لكنهم لم يقبلوا بنا ولا بالخريف ولا حتى بالأدراج.. هل ظلت الأدراج كي نصعدها؟ كلا.. هي الأخرى سلبت منا..كان بودي أن أخبرها بأني أحتاج لمن يساعدني, في تقفي أثر الحبيبة التي مرت مثل طيف أيام الصبا.. وأرسلت لي برسالة واحدة يتيمة, وقد قرأتها ألف مرة.. كنت أحس بنكهة للكلمات مختلفة في الباص ونكهة أجمل على باب المنزل, ونكهة أعذب تحت سرو الجامعة.. احرقت قلبي رسالتها وللآن مازال الورق يعني لي الاشتعال.. وما زالت تحت الريح تلعب بي, ولكني لم انطفئ بعد..كان بودي أن أخبرها... أني محتاج لمن يساعدني, في أن أحضن مخدتي في الليل وأنام على وسادة الحلم, ولا أخاف من غد أبدا... وأصحو على صوت الحساسين, وهي تزقزق على شباكي... وأحس أنها تناديني وتخبرني: أن الوطن كل الوطن لك.. كله لك, فانثره كما تشاء على الورق حبا أو سخطا.. عشقا أو بعدا.. عتبا أو مناجاة..ترى متى سأصحو واسمع الحساسين تزقزق على شباكي وتخبرني: أن الأردن قد أفاق.. قد أفاق من جديد.abdelhadi18@yahoo.com