الديمقراطية واحدة من أعظم الاختراعات الكبرى وأصعبها, ولو اشتهر «أرسطو» فى تاريخ الفكر السياسى بشيء فهي مقولته الشهيرة: إن علم السياسة هو علم السيادة، وهو علم السعادة, ويقصد بذلك أن علم الحكم وإدارة شؤون الدولة هو العلم السيد على جميع العلوم الأخرى، وهو المفضي إلى سعادة البشر الجماعية إن كانت شؤون الحكم فى أيدٍ رشيدة. فلو تخيلنا مجتمعاً فيه مئات العباقرة والمبدعين، لكن يحكمه «هتلر» أو «موسوليني»، إذن ما الفائدة؟
إن علم السياسة هو علم التوفيق (وليس المفاضلة أو الاختيار بالضرورة) بين الضرورات المتعارضة، فالاستقرار ضرورة، لكن الديمقراطية ضرورة أيضاً، والمهارة كل المهارة أن توفق بينهما دون التضحية بأي منهما.اليوم ونحن امام مفاضلة بين قيمتين, تفعيل الديمقراطية التي تسمح بالتظاهر وكل اشكال المعارضة السلمية, او الانحياز للاستقرار، تلقيت عتباً من امين عام حزب جبهة العمل الاسلامي مراد العضايلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: كنت اتوقع ان تشكر هذه الاحزاب على تبنيها لوجع الناس حيث تلتهب الاسعار على الناس بطريقة جنونية, وحكومة عاجزة حتى عن التفسير والتعبير ولا تعرف جيب المواطن حلا لمشكلاتها, وربما نسي الرجل اضافة الا في رسالته, التي اعقبها هاتف حول مقالة الامس, وما زلت على موقفي بأن الحوار والبرنامج الناجم عنه, يسبق الشارع, الذي يحتاج اليوم الى مزيد من الامل الحقيقي بالسير نحو الامام.وما جرى خلال الاسبوع الماضي حصرا, يشي بذلك, ولعلني لا اكشف سرا اذا قلت ان الاردن دخل في الاتفاقية الاقتصادية مع الصندوق الاماراتي بجهد من الملك, فلم يكن الاردن جزءا من هذه الاتفاقية, واضطر الوفد الاردني الى السهر لمدة 48 ساعة للتجهيز والتحضير, ونجح الاردن في اجتياز هذه العتبة وننتظر الاشهر الثلاثة القادمة, لنرى على الارض اولى الثمرات, وبعد الاتفاقية بساعات, كان الاجتماع مع الاتحاد الاوروبي الذي يعقد اجتماعا للمرة الاولى خارج دول المجموعة, ما يعني ان المشهد الاقتصادي بعد الجهد الملكي, بات مفتوحا على ايجابية, ويحتاج الى مشاريع وبرامج تدريب وتأهيل, وقطاع خاص نشط وقادر على الاستفادة من الفرص التي ينتجها الحراك الملكي.صحيح ان فريقا من المؤيدين قد اضعف خطاب الدولة وحراكها, فالموالاة لا تعني الاقرار حسب المصلحة, بل المطلوب موالاة واعية قادرة على تقديم الجهد الملكي على حقيقته, وليس الاختباء خلف العباءة الملكية, وبنفس الاتجاه, المطلوب معارضة واعية قادرة على تقدير اللحظة الوطنية, ومن نافل القول ان الاعتراض دون بديل هو اعتراض عدمي, وبالتالي تقف المعارضة في حيز العدمية, اذا ما بقيت اسيرة المواقف وليست اسيرة البرامج, ولعل المسيرات والمظاهرات اليوم اقرب الى هذه الخانة, فاي مستثمر لن يقدم على استثمار في ظل اجواء مشحونة, وشوارع تعج بالمتظاهرين, ونعلم ان الناس حين تنداح في الشوارع, لن يستطيع حزب او طرف ضبط الحراك.في رسالتيه للشعب الاردني, كشف الملك بوضوح ان القادم يحمل البشائر الايجابية, والبشائر مسنودة بما رأيناه من اتفاقات واصلاحات على المسارات الثلاثة, واستباق النتائج ليس من الحكمة في شيء, بل ستكون اكثر ضررا على الملفات الوطنية التي يجري الاعداد لها والعمل عليها, فاليوم ثمة حدث كبير سنشهده على المسار الاقتصادي الوطني, وعلى الاحزاب ان تبدأ تحضير البرامج وليس العمل وفق نظرية الخمسينات والستينات التي اسهمت في ابتعاد الاردنيين عنها, بعد ان قدمت الاحزاب الاستقرار على البرامج الحزبية العابرة للجغرافيا, فحتى اللحظة لم يتشكل في الاردن احزاب برامجية, بل احزاب فصائلية لها موقف من اسمنت وليس برنامج مرن.omarkallab@yahoo.com