تُواصل مؤسسات دولة العدو الصهيوني المُختلفة.. الأمنِيّة/العسكرية والقضائية وخصوصاً التشريعية/الكنيست, اتخاذ المزيد من الإجراءات وسنّ المزيد من القوانين الرامية طمس الوجود الفلسطيني.. إنسانياً, ديموغرافياً, تاريخاً وثقافة، وخصوصاً ارتكاب المزيد من جرائم التطهير العِرقي وجرائم الحرب, في محاولة لا تنتهي لتكريس الرواية الصهيونية المُؤسطرة كان آخرها يوم الأربعاء الماضي, عندما صادق البرلمان الصهيوني/الكنيست على مشروع قرار يَحظر رفع الأعلام الفلسطينية في المؤسسات التي تدعمها الدولة وتُمِّولها بما في ذلك الجامعات، عندما صوّت لصالح مشروع القانون 63 عضواً من أصل 120 مُقابِل معارضة 16 فقط. (تذكير: صوّت لصالح القانون العنصري الموصوف قانون القومية/أو يهودية الدولة في 19 تموز 2018... «62» نائباً فيما عارَضه «55"نائباً).
وإذ يحتاج إقرار القانون إلى ثلاث قراءات/تصويتات كي يُصبح نافذاً، فإنّ اللافت هنا هو أنّ أحزاب المعارضة بقيادة نتنياهو, هي التي تقدّمت بهذا المشروع, وجدت ترحيباً وتأييداً كبيرين من أطراف وازنة في الائتلاف الحكومي. خاصة أنّ «نفتالي بينيت» صوّت لصالح مشروع القانون، فيما كانت المُعارضة ذاتها «تعهّدت» برفض التصويت على أي قانون يطرحه الائتلاف، ما يؤكد (المُؤكد بالطبع) وهي أنّ الفاشية الصهيونية التي تشكّل الإطار الإيديولوجي لهذه الحركة العنصرية، لا تقتصر على أحزاب اليمين أو الهمروجة القائلة أنّ ثمَّة فرقاً بين يمين الوسط, وذاك الموصوف اليمين المُتطرف بجناحيه القومي أو الصهيونية الدينية, الذين يلتئمون جميعاً الآن تحت مظلّة حزب الليكود برئاسة نتنياهو، خاصة إذا ما قارنا ما يحدث داخل دولة العدو منذ قيامها قبل سبعة عقود ونيِّف, وبين ما قارفته الأنظمة الفاشية في إيطاليا/وألمانيا, وباقي الحركات/الأحزاب الفاشية التي جمعتها ملامح مُشتركة, تتضمّن تبجيل وهيبة الدولة وتشديد التعصب الوطني/والعسكري. كما ترى الفاشية في العنف السياسي والحرب والسطوة على أُممٍ أخرى طرقاً للوصول لبعث نهضة وطنية، كما يُقرّ الفاشيون برؤيتهم أنّ الأمم الأقوى لها الحق في مدّ نفوذها بإزاحة الأمم الأضعف (هذا ما يرد في معظم بل كل تعريفات الفاشية. فهل ثمة شك بأنّ الصفات سابقة الذكر تنطبق على دولة العدو الصهيوني, تكاد تكون تطبيقاً أميناً/وصادقاً لما سعت إليه الفاشية الإيطالية/والنازية الألمانية؟).ماذا عن تجريم رفع العلم الفلسطيني؟تبدى ذلك بوضوح في تشييع جثمان الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة, عندما شنّ جنود الاحتلال حملتهم الوحشية على الجنازة، ليس فقط في مسعاهم لإهانة الجثمان وإسقاطه، وإنما خصوصاً في سحب الأعلام الفلسطينية التي رفعها المشيعون, نظراً لرمزيتها وما عكسته من بين جملة أمور, بأنّ مدينة القدس ليست مُوحدة وليست عاصمة أبدية لإسرائيل, وخصوصاً أنّ القدس الشرقية فلسطينية بامتياز بدليل هذه الجموع المؤلفة التي طافت أزقتها والطُرقات.ما زاد من مظاهر الهستيريا التي ألمّت بالمسؤولين الصهاينة, وبخاصة حكومة بينيت وأجهزتها الأمنية والعسكرية, ناهيك أوساط القوى الصهيونية والفاشية المتطرفة، هو ما حدث خلال التظاهرات التي أحياها الطلبة الفلسطينييون (فلسطينيو الداخل/48) في ذكرى النكبة، ورفعهم الأعلام الفلسطينية بكثافة في جامعتي بن غوريون/وتل أبيب, ما أثار حفيظة وغضب المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وخصوصاً الجمهور الصهيوني داخل إسرائيل, وفي مدينة بئر السبع المُحتلة التي كانت شهِدت مصرع أربعة مستوطنين يهود في المدينة، نفّذها أحد فلسطينيي الداخل من بلدة حورة في النقب الفلسطيني، كونهم رأوا في ذلك تجاوزاً لـِ"الخطوط الحمراء» اليهودية بالطبع.لم يعدَم مُقدمو مشروع القانون القاضي تجريم رفع العلم الفلسطيني, تبرير إقدامهم على طرح مشروع فاشي كهذا عبر زعمهم أنّ هذا العلم هو علم مُنظمة أو سُلطة (أي منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية) وليس لدولة أو شعب, فيما هم يدركون في قرارة أنفسهم أنّ العلم الفلسطيني سابق بعقود طويلة على قيام منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية, بل سابق لقيام إسرائيل نفسها. وهو بالتالي علم دولة وعلم شعب عربي/فلسطيني, وخصوصاً علم وطن مُغتَصب شُرِّد شعبه.. صاحب الموروث الحضاري والتاريخي الذي يستحيل تجاوزه أو طمسه، رغم كل ما ارتُكِبَ بحقه من جرائم تطهير عرقي وتهجير ومجازر.في السطر الأخير.. هدّد أفيغدور ليبرمان وزير المالية الصهيوني العنصري رئيس حزب إسرائيل بيتنا, بتقليص ميزانية جامعة بن غوريون بعد أن دافعت رئاسة الجامعة عن قرارها السماح برفع الأعلام الفلسطينية داخل حرمها، مُعتبِرة أنّ ذلك يندرج في إطار حرية التعبير.kharroub@jpf.com.jo