لا يملك أحد حق الادعاء بأنه أكثر وطنية من الآخر, ولا يملك طرف حصة أكبر من الآخر في الوطن سواء في السلطة أو في المعارضة, فالكل الأردني يمتلك رصيداً كافياً من الولاء والانتماء بمفهومهما السياسي والقيمي والوطني, لكن ثمة خلاف على تقدير اللحظة الوطنية وشكل التعاطي معها بما يتناسب وفقه الواقع، فليس "كل من حضر أهله حضر أوانه" كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، واليوم يجب التوقف مليّاً والتفكير بروية قبل اتخاذ أية خطوة أو الإقبال على قرار، تحديداً القرارات التي تنقل الحوار إلى الشارع, وكأن أدوات التفاهم على طاولة الحوار الوطني قد استنفدت أغراضها.
وصلني كما غيري دعوة من مجموعة أحزاب لوقفة أمام مجمع النقابات المهنية، ثم دعوة لمسيرة يوم الجمعة المقبل في وسط البلد، ولا أملك أن أنكر على الأحزاب دعوتها، لكن من حقنا جميعاً أن نحاور الدعوة، ونقرأ توقيتها حسب المواقيت الوطنية، وابدأ من سؤال واضح، هل الدعوة للوقفة مصلحة حزبية في هذه اللحظة؟ بمعنى هل مصلحة الأحزاب الموقعة على بطاقة الدعوة، استنهاض الشارع، وهل لديها برنامج لاحق لاستثمار الوقفة من خلال التوسع التنظيمي أو زيادة عدد الأنصار والمؤيدين، أم أنها استجابة غامضة لرغبة حزبية لإعادة احياء الحضور، واستثمار لحظة الضيق التي يعيشها المواطن الأردني، ما بعد كورونا وتداعياتها وحرب أوكرانيا وارتداداتها, وما يجري في فلسطين والإقليم وانعكاساتها؟!ابدأ من المكان، فالأحزاب بمجملها تعود إلى مكان شكت هي نفسها من توسع دوره على حسابها، نتيجة ظروف وطنية جرى تجاوزها، منذ عودة الحياة السياسية, وسمعت شخصياً من كثير من القيادات الحزبية أحاديث تنتقد النقابات المهنية حد التغول على الأحزاب ودورها وكأننا أمام تنافس بين دورين يرفض أحدهما اخلاء مساحة من المشهد لصالح الآخر، فالأحزاب ترى أن دور النقابات لم يعد كما كان سابقاً، والنقابات المهنية ما زالت تحاول الإمساك على الدور استثماراً لضعف الأحزاب, واسأل الأحزاب لماذا لم تكن الدعوة في مقر من مقراتها أو لقاء في أحدى قاعاتها، ينتج عنه برنامج واضح لمقبل الأيام يتصاعد تدريجياً حال عدم الجلوس على مائدة وطنية للاتفاق والتوافق على الحلول المقترحة؟أما الزمان فله قصة اخرى، فنحن على أبواب مخرجات وطنية لمجموعات نوعية جلست في الديوان الملكي وتوافقت على مخرجات وطنية للوصول إلى برنامج اقتصادي عابر للحكومات، ويفتح الباب لواقع جديد، بعد أن تم إعادة رسم المطالب القطاعية، وإزالة التقاطعات الأفقية والعامودية بين القطاعات، وبما يكفل تحقيق اختراق نوعي في الواقع الاقتصادي، مسنوداً باتفاق اقتصادي تاريخي بين الإمارات ومصر والأردن، لتحقيق نواة تكامل اقتصادي نشدناه طويلاً وانتظرناه كثيراً، ونأمل أن يتسع مداه ليشمل دولاً وازنة وثقيلة، فمنذ تأسيس الاتحاد الأوروبي تصاعدت الدعوات لتكامل عربي، وقبله كان شعار الوحدة طاغياً، فلماذا نستبق هذا الاتفاق بدعوات للوقفات والتظاهرات، التي يمكن أن تنفلت من عقالها لتنعكس سلباً على كل هذا الجهد الوطني؟أقف أمام هذه الدعوة طويلاً، ليس من باب التشكيك في نواياها ومقاصدها لا سمح الله، بل من بوابة الزمان والمكان واستباق النتائج، فقبل أسابيع قليلة كان الكل الوطني في خيمة الديوان الملكي الجامعة، يناقش تحديث المنظومة السياسية، وما زالت مقاعد الكل الوطني أيضاً ساخنة من نقاشات وحوارات الملف الاقتصادي في خيمة الديوان الملكي، وننتظر ثالثة الأثافي من تحديثات إدارية وتطوير للقطاع العام، وما زالت فرحتنا بوجود الكل الوطني في حفل الاستقلال المهيب في الديوان الملكي تغمرنا، وقبل ذلك كله رسالة الملك الصارمة في ذكرى الاستقلال بضرورة التفكير بالحلول والبرامج الوطنية لكسر متلازمة الفقر والبطالة، وتحقيق التنمية الشاملة سياسياً واقتصادياً وإدارياً، فلماذا الشارع الآن، وما المقصد منه يا أحزابنا الكريمة؟هل ثمة عجز عن البرامج القابلة للتطبيق أم أنه استثمار اللحظة بطريقة أنانية حزبية ولا أريد أن يتسلل إلى وعي أحد أن هذا النقد يشكك في المواقيت والمكان، بل يناقش ويسأل فقط، وتحديداً إلى الحزب الأكبر والحزب المؤثر في القرار بالدعوة إلى التظاهر، جبهة العمل الإسلامي وخلفها الجماعة الإخوانية بنسختها التاريخية، التي تعلم ويعلم الحزب حجم الكلفة التي دفعها الأردن وأقصد الأردن بكليته، لعدم حظرها وإدراجها على قوائم الإرهاب، وما زلنا نقرأ خطتها الاقتصادية حتى العام 2030، التي لم تشتمل في بند من بنودها على المغالبة، بل على المشاركة وخلق التفاهمات الوطنية، ولا أظن أن الوقفات الشعبية والتظاهرات تحقق الأمل والغاية، إلا إذا كان المعنى في بطن الشاعر فقط!omarkallab@yahoo.com