في غمرة الهجمة الإعلامية الضارية التي تشنها آلة الدعاية الغربية, متعددة الأذرع والمصالح والتمويل والتوجيه وفي مسعى لإخفاء الفشل الذي حصده المعسكر الغربي طوال المئة يوم, التي انقضت على العملية الروسية الخاصّة في أوكرانيا، تبرز في الأثناء تصريحات متناقضة تصدرها العواصم الغربية المؤثرة وبخاصّة العواصم الأربع المنخرطة أكثر من غيرها, في عملية التحشيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي المحمولة على ضخ مزيد من الأسلحة الفتّاكة/المتقدمة تكنولوجيا لنظام زيلنسكي, الذي بات يشكّل عبئاً على الغرب وسط ارتفاع أصوات المعارضة, الشعبية والحزبية والسياسية والإعلامية الداعية الى وضع حد لهذا الدعم المحموم غير المجدي, للجيش الأوكراني المنهك والمرهق والذي يوشك رصيده من الأسلحة والعتاد السوفياتي القديم الذي يشكل العمود الفقري لآلته العسكرية على النفاد, ما يضعه أمام معضلة عدم قدرته على التعامل مع الأسلحة والعتاد الغربي الذي تواصل واشنطن ولندن وبرلين وباريس ارساله الى كييف.
وإذ لا يتردّد القادة والمسؤولون في العواصم الأربع المذكورة أعلاه, الزعم عن الخطأ التاريخي الأساسي الذي ارتكبه الرئيس بوتين, في العملية العسكرية على أوكرانيا, كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون، فيما تمضي واشنطن قدماً في دعمها وترحيبها بل إصرارها على فتح عضوية حلف الناتو أمام فنلندا والسويد، رغم تحذيرات موسكو ومعارضة تُركية انتهازية وليست جذرية، فإن مواصلة تركيز الدعاية الغربية على تدهور صحة الرئيس الروسي واصابته (المؤكدة كما يزعمون) بالسرطان, وتراجع نفوذه وسلطته داخل الكرملين, وخصوصاً لدى الجيش وأجهزة الاستخبارات, على نحو ينذر بحدوث انقلاب أو أقله رفض تنفيذ أوامره باستخدام السلاح النووي, حال وصلت الأوضاع الميدانية الى نقطة اللاعودة, يؤكد من بين أمور أخرى حال الإفلاس والتخبط الذي تعيشه دوائر صنع القرار في البيت الأبيض الأميركي و10 داونتنغ ستريت البريطاني, والإليزيه الفرنسي ومبنى المستشارية الألمانية في برلين.وفيما هم في الغرب الاستعماري يواصلون التقليل من أهمية التقدم الميداني الذي حققه الجيش الروسي في إقليم دونباس بجمهوريتيه دونتسيك ولوغانسك, وبخاصة تحرير مدينة وميناء ماريوبول, واجبار ما تبقى من جيوش النازيين الجدد والمتطرفين القوميين في مجمع ازوفستال على الاستسلام، بكل ما عناه ذلك من قضاء مبرم على نحو من 25 ألف مقاتل أوكراني يشكلون نخبة الجيش الأوكراني, الذين تم حشدهم منذ العام 2014، بهدف القضاء على الجمهوريتين الانفصاليتين, وخصوصاً "استعادة" شبه جزيرة القرم, بعدما زودتهم واشنطن بكل ما تتوافر عليه ترسانتها العسكرية الضخمة من أسلحة وخبراء ومخططين عسكريين، فإن النقاش داخل روسيا لم يتوقف في الآن ذاته وعلى نحو يكاد غير مسبوق, إن لجهة توجيه الانتقادات على أداء الجيش الروسي في بداية العملية الخاصّة, التي استُهدِفت في الخطة "A ", عبر تطويق وربما السيطرة على كييف واسقاط نظام زيلينسكي. ثم التراجع عن ذلك (هناك من سمّاه من الروس أنفسهم "الفشل") والانتقال الى الخطّة (B) التي ركّزت اقليم دونباس والمنطق الشرقية والجنوبية, لا يبدو انها ستتوقف قبل ان تبسط سيطرتها على كامل هذه المناطق بما فيها الجائزة الكبرى بعد ميناء/ومدينة ماريوبول ونقصد ميناء اوديسا.يقول رئيس معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي في لقاء مع صحيفة نيزانيسيمايا غازيتا الروسية: لم يعد بمقدور روسيا التوقف عند حدود جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، إذا بقي –يضيف– هناك متر مربع واحد على الأقل من الأراضي الأوكرانية "لا" يخضع لسيطرة القوات الروسية، فإن جميع الأوغاد الذين سيتم ارسالهم الى هناك، مرة أخرى هذا الموطئ، سيدججونه بالسلاح ومن هذه النقطة ستستمر الاستفزازات والتخريب بالأنشطة العسكرية ضد روسيا، متسائلا: كيف سنحتفظ بالسيطرة على الوضع؟, مجيباً: ليس ببيانات واتفاقيات يوقِّعها أحد ما على أي مستوى... هذه مجرّد أوراق لا تساوي شيئاً على الإطلاق.في المقلب الآخر وعلى نحو لافت تساءل المحلّل السياسي الروسي سيرجي ماكروف كيف تم التخطيط للعملية العسكرية الخاصّة في أوكرانيا؟ وما هو عمودها الفقري؟ قائلاً: الجيش الروسي – بخفّة وسهولة دون اسلحة ثقيلة– يتقدم الى المدن الكبيرة في أوكرانيا مما يخلق حالة من الذعر في صفوف نظام الحكم في كييف.. نتيجة لذلك – يضيف ماركوف – يهرب زيلينسكي وقادة المدن الكبرى ويتم ملء الفراغ جزئياً بواسطة المقاومة أو ممثلي النظام القديم أو المهاجرين السياسيين السابقين الذين يعودون الى أوكرانيا. لقد فشلت -يستطرد مازكوف- هذه الاستراتيجية تماماً باستثناء مدينتين في جنوب أوكرانيا هما خيرسون وميلتوبول. على عكس التوقعات – يواصل – كان الجيش الأوكراني موالياً تماماً لنظام كييف، علاوة على ذلك، لم يحدث اي استسلام ولم يرفع أحد العلم الأبيض ولم ينشق أحد من الجيش جنوداً وضباطا باتجاه روسيا.