لا يمكن وصف الاستقلال ويومه, فهذا يوم للوطن ولقائده وجيشه, لكن الاستقلال قصة نجاح وسيروة, ويجب الوقوف عند حدثه واحتفالاته, ليس لانها فاقت المألوف شعبيا ورسميا, فحسب, بل لانها كانت استجابة حقيقة لموقف الاردنيين من كل ما شاهدوه في الايام السابقة, فكان الرد شعبيا بامتياز ووطنيا بما يليق بكرامة الاردن, فهذا الشعب يمتلك ادوات الرد اللازمة لكل من يحاول ان يعبث في مرتكزاته الوطنية والدستورية, وعلى الطريقة الاردنية الدائمة, الالتفاف حول الوطن وقيادته وجيشه, في زمن هوت فيه الوطنية الى ادنى مستوياتها وعلت فيها الهويات الفرعية القاتلة في محيطنا, فأجاب الاردن على كل الاسئلة دفعة واحدة, برسالة شعبية صارمة مع الدولة وقائدها وجيشها.
الاستقلال الاول في المئوية الثانية كان لحظة فارقة, وبدلالات متعددة, اولها هذه المشاركة الشعبية الواسعة في الفعاليات الوطنية بكل الوانها وتلاوينها, وثانيها دون شك, مهابة ما حدث في المقر السامي من تفاصيل دقيقة, تثبت ان هذه الدولة مؤمنة بقيمها دوما رغم الهنات وبعض الاختلالات التي نراها هنا او هناك, فأين تجد ملكا يؤخر دخوله الى الاحتفال احتراما لرفع اذان المغرب وخشوعا لصوت المآذن, ثم الانتظار حتى يفرغ المحتفلون من صلاتهم, ورأينا في جوارنا القريب والبعيد من يقصف المساجد ويفجّر في المصلين, اين ستجد كسرا للبرتوكول, من اجل قيمة العمومة والعمر والمهابة, فينقل ولي العهد الشاب مقعده الى جده الحسن اطال الله في عمره, فكل أسس التنظيم الاحتفالي تتلاشى امام قيمة التربية الفاضلة واحترام الكبير.هل اقتصر الحفل على تفاصيل انسانية وتربوية, بالقطع كانت الدلالات اكبر وعلى كل المسارات, فالحضور كان لكل اطياف اللون السياسي دون استثناء, فالرسالة الملكية التي سبقت الاحتفال وقبلها الرسالة للشعب الاردني عن ظلال الفتنة, واظنهما متصلتين لا منفصلتين, كانت ركائزهما الدستور والمستقبل, فجاء السلوك مواكبا للمنطوق في الرسائل, كل الاحزاب كانت في «الحسينية", كل رجالات الدولة كانوا هناك, سواء من عارض او خالف او اختلف, فمظلة الدستور واسعة وضامنة, وكل من يخرج عن الدستور يخرج من حمايته, لذلك كانت الرسالة واضحة, من يحترم الدستور الضامن للاختلاف, تم احترامه, والمستقبل مرهون بالبرامج المقبولة من الاردنيين, اي سيكون شكل الحكومة والبرلمان مرهون بالبرامج والافعال, وليس بالامزجة او روابط القربى والشهادة الشفاهية للشخص.اكبر قيمة ما زالت وستستمر, هي قيمة الشهادة, وقيمة البُعد القومي عند الاردنيين بكل تلاوينهم السياسية, فكانت لحظة منح الشهيدة الفلسطينية الصحفية شيرين ابو عاقلة, عنوانا صريحا, للجميع, فقد وقف الحضور جميعا, في لحظة استلام شقيقها الوسام الملكي, واقصد الجميع فعلا وقولا, فأين ستجد كل هذا الوعي القومي وكل هذا الفضاء الانساني, الا في الاردن وفي المقر السامي الجامع والضامن, لكل التعابير السياسية والاجتماعية, لحظة اختصرت مجلدات من الكلمات, عن المثلث الذهبي للاردنيين, العرش والشعب والجيش, فحين تحضر الشهادة يكون البهاء سيد الموقف, رسالات بالغة الدلالة في الاحتفال الملكي وفي الشوارع والساحات العامة, وكلها تقول بأن قيم الدولة محروسة وراسخة في الاذهان والوجدان, لا صوت يعلو على صوت الاردن, ولا خلاف الا من اجله, ومن اجل رفعته وتطوره.اما المكرمون من ابناء الوطن وبناته سواء من داخله, او ممن حقق نجاحات خارجه, فقد كانت في مكانها تماما, فكلهم يستحقون, وكلهم نفخر بهم وبانجازهم, والأيام قادمة لتكريم المزيد والاحتفال بمن يستحق, وكل السواد الذي انتثر على قلته حيال تكريمهم, لن يزيد عقل الدولة الا اصرارا على الانفتاح على الابداع والنجاح وعلى المبدعين والناجحين ويكفي ان اسرد هنا, ان احد آباء المكرمين, قال لابنه: اكرمك الوطن بالتكريم فكيف سترد الجميل, فكانت الاجابة بوعد والتزام امام رئيس الورزاء بأنه سيكون خلال عام واحد, قد جذب الشركات الكبرى في قطاعه للاستثمار في الاردن وتوفير مئات من فرص العمل, فالاردنيون في الخارج قصص نجاح وليست قصة واحدة, ولنعترف باننا تأخرنا في التواصل والاتصال معهم.ما جرى خلال الأيام الثلاثة, ليس حدثاً عابراً, وليس احتفالا باجازة أو كسراً لملل بعد أزمة كورونا, بل هو إجابة شعبية واضحة لرسائل إقليمية وداخلية حاول بعضنا في الداخل وأتباعهم في الخارج إرسالها لنا, وجاء الجواب الحاسم من الناس والدولة.omarkallab@yahoo.com