مدار الساعة – في غرفة مظلمة رأيت والدي يبكي بحرقة. كان ذلك عام 1971. لم اجرؤ على سؤاله. صباح اليوم التالي عرفت ان صديقه العزيز الذي كان يزورنا باستمرار في المنزل اغتيل. انه وصفي التل.
بهذه الكلمات بدأ يسرد سعيد عدنان أبو عودة خلال حفل تأبين والده الذي أقيم في المركز الثقافي الملكي مساء اليوم السبت، بتنظيم من معهد السياسة والمجتمع وعائلة الراحل عدنان ابو عودة، قصة رفع قضية على المفكر الأردني عدنان أبو عودة قبل سنوات قليلة من وفاته.
يقول سعيد، في الحفل الذي شهد حضوراً لافتاً لرؤساء وزراء ووزراء سابقين، وانا أرى ابي يدخل الى المحكمة للتحقيق معه ذهبت بي الذاكرة عام 1971 عندما رأيت والدي جالساً مرتدياً قميصه الأبيض في غرفة معتمة وهو يبكي."حينها ارتابني شعور بالخوف فلم اكن حينها أعرف ان الآباء يبكون.. فلم اجرؤ على سؤاله.ويتابع في كلمته التي تابعتها مدار الساعة: عرفت في صباح اليوم التالي لِمَ كان يبكي والدي. كان يبكي الشهيد وصفي التل صديقه الذي اعتاد على زيارتنا واللعب معنا.سعيد أبو عودة سرد هذه القصة مستهجنا ان يتهم المفكر الأردني الراحل بانه يمكن ان يثير النعرات العنصرية.يقول سعيد: ازدادت الحراسات حول بيتنا، فشعرت ان والدي في خطر، ومن يومها اصبح الخوف يراودني على حياة والدي.ثم يتابع، بضعة اشهر 1972 حتى وصلت والدي رسالة ملغومة من قبل منظمة فدائية تتهمه بالخيانة، ولولا نباهة رجل الامن لكنا قضى فيها.هل انتهى الامر؟ لا. يقول سعيد: بضعة أشهر أخرى وعند عودتي الى منزلنا في احد الأيام فإذا بصندوق مشبوه زرع قرب المنزل، فحضر الامن وعرفت حينها انها كانت قنبلة لو انفجرت لنسفت المنزل بأكمله.ثم مرت السنون وعادت الحياة الى طبيعتها، ورأيت انشغال والدي باستقبال اهل نابلس، موضحا لهم موقف الدولة الأردنية، ومدافعا عن مواقف الشهيد وصفي التل، والحفاظ على الأردن واستقراره ووحدة شعبه.لم ينته التحقيق مع عدنان أبو عودة الا بعد أوقف الملك هذه المهزلة.كما شهد الحفل عرض شهادات مصورة لكل من رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري، ووزير الخارجية الاسبق مروان المعشّر، والكاتب والمحلل السياسي خيري منصور، ومندوب قطر السابق في الامم المتحدة حسن النعمة، وكان قد أدار الحفل د. خيل ا لزيود.وقال طاهر المصري في المقطع المصور ان عدنان أبو عودة كان رجلا عصاميا حتى وصل الى ما وصل اليه من ثقافة ومنصب وتأثير، واصفا إياه بلطيف المعشر الراغب في تعميم ما يؤمن به على المسؤولين والجمهورعلى انه عاد وقال ان أبو السعيد وجد نفسه منذ 15 سنة، وقد تنقل في وظائف وظروف متعددة وقد استقر كشخص مثقف، مشيرا الى ان أبو عودة لم يكن رجل دولة بل كان مثقف دولة. والمثقف يعاني.بدورها وزيرة الثقافة هيفاء النجار طافت في حياة عدنان أبو عودة من خلال قراءة خلاصة النتائج. من هنا تطرقت الى الحالة الراهنة، مشددة على ان الأردني لا يسمح لنفسه ان يكون عنصريا.وأضافت أفكار عدنان أبو عودة ستبقى بحنكته السياسية في الضمير والوجدان.من هنا قالت ان الامن الاجتماعي لا يتحقق الا بكرامة المواطن وتوافقنا نحن ان الوطن يستحق منا وإن اختفلنا على الآلية ان نتوافق على صموده وقيادته وعلى قدرته على التجديد ومواجهة التحديات، مبني على روح الأردن.
من جهته أشار الشريف فواز شرف إلى مناقبه المضيئة ودوره في الحياة السياسية الاردنية مشيرا إلى قيمته الفكرية التي اثرت الفكر السياسي الأردني على طوال سنوات مسيرته العملية والتي ابتعد خلالها عن اي كراهية او أنانية او رشوة سياسية ومالية ولفت الشريف إلى حجم الاهتمام الذي كان يحظى به الفكر السياسي الاستراتيجي للراحل من قبل السياسيين والمفكرين الدوليين.واستذكر المفكر العين مصطفى حمارنة في كلمة له ذكرياته مع الراحل ابو عودة وأشار إلى دوره الكبير في اعداد الميثاق الوطني الأردني الذي اطلقه الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه والذي شكل العلاقة بين الأردنيين والحكم.وبين الحمارنة أن أبو عودة وإن كان قد ساهم في صناعة وصياغة قرار فك الارتباط الإداري مع الضفة الغربية 1988، إلاّ أنه في الوقت نفسه كان قد ربط ذلك بأهمية ألا يؤثر القرار على الوحدة الداخلية وعلى النسيج الوطني.قدم معهد السياسة والمجتمع فيلماً وثائقياً عن حياة ومسيرة وسيرة أبو عودة، كتب نصه د. مهند مبيضين، عميد شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية، وأخرجه براء البلبيسي، ثم قدم الكاتب والمحلل السياسي لبيب قمحاوي كلمة تحليلية لجدلية أفكار أبو عوده وأسباب ذلك والظلم الذي تعرض له من العديد من الأطراف السياسية.وقدم الشاعر جهاد ابراهيم سيف مرثية استذكر فيها المواقف الإنسانية في حياة ابو عودة إضافة إلى علاقته بعائلته واصدقائه.من جانبه اشاد وزير الثقافة الأسبق ومستشار معهد السياسة والمجتمع الدكتور محمد أبو رمان ببارعة الراحل السياسية والتي شكلت حالة استثنائية في التاريخ السياسي الأردني لانه استطاع ان يجمع بين العمل السياسي والتفكير الفلسفي والتحليل النقدي والشجاعة والقدرة على تحمل المسؤولية والدفع نحو القرارات التاريخية التي شكلت مسارات ومحطات عبور للوطن من اكبر التحديات والمنعطفات.وأوضح ابو رمان ان الراحل كان نموذجاً وقدوة لجيل الشباب اليوم وأباً روحياً لكثير من الشباب المسيس والمثقف ولا سيما من كان من حسن حظه ان تحاور وتناقش مع الراحل الذي كان مشارك فاعل في الحواريات المتواصلة التي كانت تعقد مع جيل الشباب في معهد السياسة والمجتمع الذي كان ابو عودة من مؤسسيه وأمين سابق له.وفي ختام الحفل تم توزيع مجموعة من الكتب عن المذكرات والسير الذاتية التي تناولت حياة ابو عودة ووثقت أبرز انجازاته ومحطاته في الحياة السياسية الاردنية ومنها كتاب جديد أصدره معهد السياسة والمجتمع حمل عنوان " حوار في السياسة الأردنية مع عدنان ابو عودة"يذكر بأن عدنان أبو عودة هو مفكر وسياسي وزير أردني أسبق كان قد شغل مناصب عدة منها رئيس الديوان الملكي الهاشمي الأسبق ووزير الثقافة والإعلام في عدة حقائب وزراية منذ سنة 1970 إلى سنة 1984 وعلى فترات متقطعة كما انه عضو سابق في مجلس الأعيان الاردني وألف ونشر عدة كتب تناول فيها مسيرته السياسية وملفات أردنية مختلفة والقضية الفلسطينية