كثيرة هي الاشارات والمعطيات التي تؤكد أن العالم يتجه نحو ازمة غذائية صعبة تتعمق في كل يوم لأسباب كثيرة ومتعددة، فماذا اعددنا لها؟، وكيف سننجو من تباعتها؟، وماذا عن المخزون لدينا؟، ومدى قدرتنا على الاستمرار في التخفيف من اثارها على اسواقنا المحلية؟.
المعلومات والتصريحات والاجراءات الحكومية كلها تدعو الى الاطمئنان وهذا امر جيد، غير انها يجب ان تحاط ايضا بالحذر والاستعداد لمفاجآت قد تطرأ عالميا اعتدنا على ظهورها مؤخرا وكان اخرها الحرب الروسية–الاوكرانية وكورونا، وها نحن على اعتاب «جدري القرود» الذي قد يقلب الطاولة على العالم اجمع في حال انتشر بطريقة مجنونة كما الجائحة السابقة، الأمر الذي يستدعي البدء سريعا بوضع خطة عمل طارئة في اطار تفعيل مجلس الامن الغذائي الذي يجمع ما بين القطاعين العام والخاص لوضع كافة السيناريوهات المتوقعة ومواجهة كافة المعيقات والت?ديات التي قد تقف امام قدرة المستوردين في استيراد السلع الاساسية والرئيسية والتي نحتاجها في حياتنا المعيشية اليومية.نعم لدينا مخزون غذائي جيد وتحديدا من القمح ويكفي 15 شهرا، غير انه غير كاف في حال استمر الانتاج العالمي بالتراجع الى مستويات كبيرة نتيجة للعديد من الاسباب واهمها التغيرات المناخية وارتفاع الطلب العالمي وما صاحبها من وضع قيود من قبل المنتجين على صادراتهم منها لتأمين امنهم الغذائي وهذا اجراء متوقع في ضوء ارتفاع معدلات التضخم، الامر الذي يزيد من تعميق ازمة التوريد والاستيراد من تلك المصادر.ما يقلقني ويجعلني ادعو الى الاسراع في وضع خطة تنفيذية سريعة لمواجهة هذا التحدي أننا نستورد من الخارج ما يزيد عن 90% من غذائنا سواء كانت مواد اولية تدخل في انتاج الاصناف المصنعة محليا او مواد خام او معلبة او جاهزة للطعام وفي اغلبها سلع اساسية، الامر الذي يتطلب عدم الاتكال على ما لدينا من مخزون او الاطمئنان بشكل مبالغ فيه والتوجه فورا الى اتخاذ المزيد من الاجراءات التي تعزز المخزون الحالي لفترات اطول تحسبا لاستمرارية كافة الاسباب التي اثرت على سلة الغذاء العالمي.برنامج الأغذية العالمي اعرب عن مخاوفه من أزمة جوع قادمة على مستوى العالم -قد تكون الأخطر في التاريخ الحديث نتيجة الاضطرابات على الصعيد الدولي من الصراعات وتغيّر المناخ وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود لأرقام غير مسبوقة، فأسعار القمح بنحو 60% منذ فبراير الماضي وأسعار الزيوت النباتية بنسبة 40%، وكما ارتفعت أسعار العديد من اصناف المواد الغذائية إلى معدلات قياسية.الامن الغذائي هو اهم عناصر الأمن التي تسعى كافة دول العالم لتأمينه ما قد يجعل العالم في حالة تسابق بالطلب عليها وحجزها، الامر الذي يجعلنا أمام خيارين، الاول هو ان نعتمد ونبالغ في الاطمئنان بما ليدنا من مخزون وتفوتنا فرص كثيرة قد لا نجدها لاحقا، والثاني ان لا نتوقف عن تعزيز مخزوننا من السلع الاساسية الرئيسية وان نرشد استخداماتها واستهلاكها محليا من خلال زيادة وعي المستهلك بخطورة الوضع الغذائي العالمي وما قد ينتج عنه من انعكاسات على السوق المحلي.ختاما، لابد من اخذ العبرة من رؤية حاكم مصر في زمن سيدنا يوسف، والعمل بما اقتضاه تفسير تلك الرؤيا من خلال الاستعداد للسنوات العجاف، والتي ما زال لدينا الوقت للاستعداد لها وتجاوزها لسنوات سمان، اذا ما احسنا التدبير والعمل.
أمننا الغذائي.. أمام خيارين
مدار الساعة (الرأي) ـ