مدار الساعة - شارك اللواء الركن (م) محمد خلف الرقاد مدير التوجيه المعنوي الأسبق وأستاذ العلوم السياسية اليوم الإثنين 23 أيار 2022م بورقة في الندوة التي عقدها مجلس كرسي المرحوم سمير الرفاعي للدراسات الأردنية بالتعاون مع المكتب التنفيذي لاحتفالية اربد عاصمة الثقافة العربية للعام 2022م في جامعة اليرموك، والتي جاءت بعنوان: " ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية (76) مع دخول المئوية الثانية".
وأشار الرقاد في ورقته التي جاءت بعنوان " الاستقلال عهود هاشمية مزهرة ... وإنجازات أردنية مثمرة " إلى أن: الحديث عن إنجازات الوطن حديث ذو شجون، لكنه يجب أن يعكس دائماً أبعاداً مختلفة ، تترجم حقيقة الإنجاز، وتعيد الفضل إلى أهله، وهنا لا بد وأن يأخذ الحديث مناحي دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتعليمية وعسكرية وتقنية ... إلى غير ذلك من أبعادٍ ذات صلة بالوجه الحضاري للعهود الهاشمية والدولة الأردنية .وقال: عند الحديث عن الأردن وإنجازاته، لا بد وأن يكون الحديث مقروناً بالحديث عن الهاشميين، لأن الأردن والهاشميين صنوان لا يفترقان أبداً، وذلك لأسباب كثيرة من أهمها: حرص الهاشميين على التواصل مع أبناء الشعب الأردني منذ أن كان عدد سكان الأردن لا يتجاو ربع مليون نسمة في عام 1921م، إلى أن تجاوز التعداد السكان الحالي في الأردن الـــ ( 10) ملايين نسمة، فخلال العهود الهاشمية الأربعة، كان الملوك الهاشميون يدعمون مشاركة المواطن في صنع القرار، ويعملون على تطوير الحياة الديمقراطية، وعلى ترسيخ أسس العدالة والمساواة، وذلك تحقيقاً للمباديء التي قامت من أجلها ثورة العرب الكبرى التي فجر رصاصتها الأولى الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه .وأكد اللواء الرقاد على أن الملوك الهاشميين هم الذين خطّوا أول سطر في الخطاب السياسي الأردني منذ أن انطلقت الثورة العربية الكبرى في عام 1916، والتي سعت لتحقيق هدفين استراتيجيين هما، الأول: الحفاظ على الدين، والثاني استقلال أمة العرب وقيام الدولة العربية المستقلة، وكان من ثمارها تأسيس وإنشاء الدولة الأردنية في عام 1921 استناداً إلى مرتكز الوحدة العربية الذي شكّل واحداً من مباديء الثورة العربية الكبرى، حيث أنشأ الملك المؤسس جلالة المغفور له عبدالله الأول ابن الحسين إمارة شرق الأردن التي شكّلت واحدة من ثمار الثورة العربية الكبرى التي كانت تطمح لتأسيس الدولة العربية المستقلة، لكن أطماع وجشع وغدر الاستعمار جعلت الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.لقد جاء الأمير عبدالله بن الحسين إلى الأردن ليدافع عن الحق العربي إثر معركة ميسلون، وما آلت إليه الأمور بعد خروج الملك فيصل من سوريا فوصل معان عام 1920م، وتابع إلى عمان التي وصلها في الربع الأول من عام 1921م، واستمر في نضاله السياسي، حتى تمكن من تأسيس الإمارة، وأمر بتشكيل أول حكومة أردنية في أوائل شهر نيسان من عام 1921 م، كما استمر في تطوير الإمارة الجديدة وأسس لها جيشها العربي الذي ترجم عروبته الحقيقية ببسالة رجاله، وبدماء شهدائه، حيث خاض رجاله بكل شجاعة غمار الحرب ضد المحتل الصهيوني عام 1948، وحافظوا على مدينة القدس عربية، وظل طيب الله ثراه يناضل دفاعاً عن فلسطين والقدس الشريف، فأنجز وحدة الضفتين عام 1950م، واستمر إلى أن ارتقى شهيداً عند بوابة المسجد الأقصى المبارك عام 1951م، ثم جاء عهد المغفور له الملك طلال بن عبدالله، ورغم قصر عهده، إلا أنه أنجز مهمتين عظيمتين هما: وضع الدستور الأردني، وأمر بإلزامية التعليم، إضافة لسعيه المتواصل للمحافظة على تماسك الجبهة الداخلية في الضفتين . ثم يتواصل العطاء الهاشمي إلى ان تسلم دفة الحكم الملك الحسين بن طلال باعتلاء سدة الحكم، حيث نودي به ملكاً عام 1952م، ومارس سلطاته الدستورية في عام 1953م، ونهض بالمملكة وبنى مؤسساساتها، وطوّر الجيش العربي الأردني، وتمكن من استكمال القرار السياسي السيادي الأردني بقراره الشجاع والجريء في الأول من آذار من عام 1956م القاضي بتعريب قيادة الجيش العربي ، وظل ينهض بالأردن لفترة قاربت نصف قرن من الزمان، حتى تمكن من وضع الأردن على الخارطة الدولية من حيث الرقي والتقدم والازدهار، وظل يبني الجيش العربي ويطوره لبنة لبنة، ليحافظ على فاعليته في الدفاع عن الحق العربي أينما كان بعامة وفي فلسطين بخاصة، وظلت القضية الفلسطينية هي شغله الشاغل، وتمكن في عهده من دفع عجلة السلام بعد أن اتخذ العرب السلام كخيار استراتيجي، إلى أن تمكن من إنجاز وإبرام معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في عام 1994 م . وأضاف الرقاد في معرض حديثه واستعراض إنجازات الاستقلال بقوله: وامتد هذا الدور الهاشمي في بناء الأردن إلى أن وصل إلى جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين في العهد الهاشمي الرابع، حيث كرّس جلالته – حفظه الله - جهده من أجل سمو ورفعة ورقي الأردن، وتقدم شعبه على كل الصعد، كما آمن جلالته بأن الإنسان الأردني هو المحور الأساس للتنمية، وأنه هو رأسمال وثروة الأردن الحقيقية .وقال اللواء الرقاد:إن جلالة الملك المعزز قد استند في حكمه إلى عدة مرتكزات أساسية هي المرتكز الديني المستند إلى جذورة الهاشمية ونسبه الممتد إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى المرتكز القومي العربي على أعتبار أن المملكة الأردنية جزء لا يتجزا من الأمة العربية، وهو وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، مما يجعله الأكثر التصاقاً وانتماءً إلى أمتيه العربية والإسلامية، والمرتكز الثالث هو الإنساني، فالإنسان الأردني في فكر وذهن جلالته هو الثروة الحقيقية للأردن، وهو المحور الأساس والرئيس في العملية التنموية، وهو هدفها ووسيلتها.، والرابع هو المرتكز السياسي، فجلالته الأكثر حرصاً على النهوض بأمانته التي يحملها تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وهو الأكثر حرصاً على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف من خلال الوصاية الهاشمية، كما آمن جلالته بضرورة العمل العربي المشترك الجاد من أجل وحدة الصف العربي وبضرورة تعزيز علاقات الأردن الدولية مع الدول الشقيقة والصديقة .أما على صعيد السياسة الداخلية فقال اللواء الرقاد: لقد آمن جلالة الملك المعزز بضرورة تعزيز واستمرار مسيرة الإصلاح والديمقراطية، وحماية التعددية الفكرية والسياسية، واحترام كرامة الإنسان وحرية التفكير، وأهمية سلامة وتماسك لحمة الجبهة الداخلية، كما آمن جلالته برعاية الفكر الإسلامي البنّاء المستنير، فلهذا نراه دائماً ينافح ويدافع عن الإسلام الحقيقي والمعتدل، ولعلنا جميعاً قرأنا واطلعنا وحللنا مضامين رسالة عمان عام 2004 التي كانت بياناً مهماً أذّن في الناس بسماحة وعدالة الإسلام، مثلما دعت الرسالة إلى وحدة العالم الإسلامي، وبالنسبة للمرتكز الاجتماعي، فجلالته يحرص على تمكين المواطن الأردني، ويمنح الشباب مزيداً من التركيز والاهتمام في هذا المجال، لتمكينهم سياسياً ومعرفياً واقتصادياً، حتى أصبح جلالته هو قدوة الشباب في حكمته ونشاطاته وتوجهاته وسلوكياته، وعلى هذا النهج يسير سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد الأمين .وأكد اللواء الرقاد على انه: أن جلالة الملك عبدالله حقق إنجازات سياسية متينة من بناء علاقات دولية واستراتيجية بين الأردن ودول العالم، حيث عمل على تعزيز مكانة الأردن الدولية، وعمّق موثوقية النظام الدولي بالدولة الأردنية، كشريك فاعل واستراتيجي وموثوق من قبل كل دول العالم ، أمّا على صعيد الدول العربية الشقيقة، فعمل جلالته على تعزيز وتعميق وتمتين العلاقات مع إخوانه الملوك والرؤساء العرب، استناداً إلى استراتيجية سياسية تقوم على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الشقيقة والصديقة .وظل جلالته دائم السعي للحفاظ على مصالح الدولة الأردنية العليا في التعامل السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، بحيث تمكن من تجنيب الأردن كل المخاطر، رغم النيران التي التهمت إنجازات دول متعددة في الإقليم، وذلك من خلال انتهاج سياسات متوازنة مع كل أطراف المعادلات السياسية، بحيث تمكن من الحفاظ على الدور الاستراتيجي الأردني في القضايا العربية والإسلامية في مختلف القضايا الهامة والحساسة وبخاصة قضية المسجد الأقصى، من خلال تأكيده على موضوع الحرم القدسي الشريف، كما حافظ جلالته على السيادة الأردنية في منطقتي الباقورة والغمر باعتبارها أرضاَ أردنية .وعلى صعيد السياسة الداخلية، فقد أكد جلالته في أوراقه النقاشية السبع على ضرورة إشراك المواطن الأردني في عملية صنع القرار السياسي والإداري ، وعلى استكمال مسيرة الإصلاح الشاملة بما في ذلك الإصلاحات السياسية، وعلى أهمية إنضاج التوجهات الديمقراطية وضمان نجاحها، وعلى ضرورة تحفيز المواطن الأردني للدخول في حوار بناء حول القضايا المهمة والمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، وذلك لتنمية المواطنة الفاعلة لدى كل المواطنين، مؤكدا جلالته على تعاون أطراف العملية السياسية الداخلية في الأردن من خلال دور المؤسسات الحزبية والتشريعية.وقال الرقاد: لقد وجه جلالته الحكومات المتعاقبة إلى تطوير القوانين السياسية وتطوير القطاع العام والحكومي والاستمرار في بناء قدرات السلطة القضائية، ودعم قيام مؤسسات المجتمع المدني، كما يؤكد جلالته دائماً على سيادة القانون الذي يشكل أساس الدولة المدنية التي تقوم على القانون والحقوق والمواطنة .وأشار اللواء الرقاد إلى حرص جلالته على حقوق المواطن الأردني، والدفاع عن مصالحه وقضاياه، فقد كان له مواقف حازمة تجاه حقوق المواطن الأردني والدفاع عن مصالحه، وقضاياه، والتي تهم حياته اليومية ورعايته الصحية، والتي وصلت في بعض تفاصيلها الدقيقة إلى إرسال طائرات لنقل المواطنين الذين تعرضوا لحوادث في مختلف دول العالم. أما القوات المسلحة الأردنية / الجيش العربي والأجهزة الأمنية فقد مثّلت هاجساً كبيراً لدى جلالة الملك، فكان الحريص على تطوير الجيش العربي وتحديثه وعلى تطوير الأجهزة الأمنية، كما أمر جلالته بإجراء المراجعات الاستراتيجية العسكرية على مدى العقدين الماضيين من أجل تطوير وتحديث القوات المسلحة / الجيش العربي.وعلى صعيد التعليم العالي وجّه جلالة الملك الحكومات لتطوير العملية التربوية التعليمية بحيث يكون التعليم مبنياً على الاستقصاء والفهم والبحث، وعلى التحقيق والنقد والتحليل، والبعد عن التلقين، بحيث يقود إلى صقل الشخصية وبنائها، وتحفيز الطلبة على التواصل ومخاطبة العالم بجميع لغاته، حتى يكون التقدم والتطور ومواكبة العلم والمعرفة والتكنولوجيا من ملازماً لسمات الشعب الأردني ، وشدد جلالته على التركيز على الاهتمام بالمعلم والأستاذ الجامعي كركن أساس في العملية التعليمية.