ليس بالضرورة أن يكون الفقير معارضا.. ليس بالضرورة أن تهاجم النظام السياسي إذا تعثرت في تسديد فاتورة الكهرباء، وليس بالضرورة أن تخرج مع المسيرات.. إذا كان راتبك التقاعدي لا يفي بالحاجة.. ليس أمراً حتميّاً أن ترتدي شماغك الأحمر وتهتف وتثقب السقوف.. إذا تعثرت في تسديد قرضك البنكي..
منذ الربيع العربي، والفقر يستغل والحاجة تستغل ووجع الناس يستغل في إطار توظيف خبيث ضد النظام السياسي الأردني.. وهذا التوظيف له أدواته وله أهدافه وله بعض المخططين وبعض المروجين..أنا أعرف المئات من الأردنيين لا يجدون في لحظة.. ثمن الخبز، ولكنهم لم يوظفوا فقرهم ضد النظام ويحملونه السبب.. وأعرف المئات ممن سرقت فرصهم بالوظيفة.. وظلموا في سلك البيروقراط، ومع ذلك لم يتغير ولاؤهم.. مشكلتنا أن هنالك مجموعات معدودة من نشطاء ( السوشيال ميديا) يوظفون، وجع الناس وجوعهم.. ضد النظام، يسرقون تاريخ وصفي وحابس ويوظفونه ضد النظام.. يسرقون أسماء عشائرنا.. وعقالنا وكوفيتنا ويوظفونها ضد النظام، يسرقون عودة ابو تايه ومشهور حديثة.. ويوظفون تاريخهم ضد النظام، يسرقون الدم والمعركة والشهداء.. ويوظفون كل ذلك في إطار إدانة النظام.. هؤلاء يصنفوننا بحسب أهوائهم.. فإذا أثنيت على الدولة.. أنت (سحيج).. وإذا امتدحت اجراء حكوميا.. أنت متكسب، وإذا أحببت بلدك.. أنت خائن.. هؤلاء الوطنية في عرفهم تعني وضع العشيرة في صدام مع الدولة، والرجولة هي الوقوف على الدوار والمطالبة بإسقاط النظام، والكرامة لديهم تعني تخوين كل رئيس وزراء..هؤلاء لم يقرأوا كتابا في حياتهم، لم يتعلموا غواية القصيدة.. لم يعرفوا طعم التراب.. لكنهم يعتقدون أنهم سادة الوعي ورسل الوطنية، يعتقدون أنهم الأخيار.. وأنهم من خدموا تحت إمرة خالد بن الوليد في فتوحات الشام.. ومن نصروا عليا، ومن أسسوا الخط الكوفي.. ومن شقوا نهر الأردن.. قبلهم لم يكن النهر.. هم من حفروا مجراه.. هؤلاء الجالسون على كراسي البؤس وكنب الكره والحقد، ويحملون هواتفهم ووظيفتهم شتمنا.. وشتم كل صوت يتعاطى مع النظام في إطار الضرورة الوطنية.. يبررون لبعضهم الولاء لأردوغان أما الولاء للأردن فهو كفر.. يبررون لبعضهم، العودة إلى الحكم العثماني وإعلان دولة الخلافة.. أما الدولة الأردنية فهي محض هراء.. يبررون لأنفسهم شتم كل قيمة جميلة في البلد عبر محطات الغاز المسال.. ويبررون لأنفسهم الرواتب التي تأتيهم من هناك.. بالمقابل فحب الوطن في عرفهم إن خرج عن مقاس جيوبهم أصبح كفرا.. ونكاح في الصحراء كما يقول مظفر.. هؤلاء يعطون لأنفسهم حق زيارة السفارات.. والقبض منها، وشتم نظامنا على طاولاتها.. هؤلاء يطلون عليك من وعي مزيف وتثاقف مجبول بالكره.. ويدعون أنهم قرأوا نظريات الجابري.. ونصر حامد أبو زيد وجان جاك روسو والإشتراكية.. وهم لا يجيدون قراءة نشرة الدواء، لا يعرفون شكل الكتاب ولو قمت بتحديهم في ذكر اسم أشهر دار للنشر في العالم العربي.. لاعتبروا كشك ابو علي في البلد أشهرها.. زيفوا قيمنا، زيفوا الأخلاق، ورطوا ألوف الشباب.. بزيفهم، وثملوا عبر كؤوس الشتم والحقد والفوقية التي أسسوها في المجتمع.. والسؤال الذي يقض مضجعي.. هو أنهم أخطر ممن سرقوا البلد.. المال من الممكن تعويضه، لكن عقول شبابنا التي سرقوها.. ووظفوها في الشتم.. والكره والحقد.. كيف سنستعيدها ؟