اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

الاوصياء..


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الاوصياء..

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/05/22 الساعة 00:49
... في دولة الإمارات, تستطيع أن تفعل كل شيء, ولكن إذا انتقدت السياسة الخارجية للدولة, يكون القانون جاهزا لمقاضاتك... وفي مصر قل ما تشاء, وعبر كيفما تشاء ولكن عند المؤسسة العسكرية، يوجد ألف خط احمر وعليك أن تلتزم بها.. وفي السعودية يوجد انفتاح وليونة في تطبيق القوانين.. يوجد حالة من التسامح لم تكن موجودة قبل سنوات.. ولكن عند التوجهات العليا للدولة على الجميع أن يصمت.
في المغرب أيضا يمكنك أن تنتقد كل شيء, ولكن حين تصل للنظام، تُفعّل القوانين.. حتى في أوروبا تستطيع أن تكتب وترجم وتنتقد, لكن حين تصل إلى إشاعة الكره واستخدام بعض الرموز النازية, يطاردك القانون فورا..
في الأردن الصورة مختلفة تماما, فأنت حين تضع صورة لريال مدريد... ينتفض عليك الكل ويتصدر أنصار برشلونة الساحة، ويرجمونك بكل شيء.. وحين تضع صورة لبرشلونة يعتبرك أنصار الريال من النازيين الجدد..
في الأردن الأمر مغاير تماما، فحين تضع صورة لرمز وطني.. يرجمونك بكل شيء، وكلمة (سحيج) جاهزة, وكلمة (انتهازي) تصرف بالمجان.. ويشتمون ضميرك ويجردونك من الوطنية، ويقولون فيك وعنك كل شيء.. ومن الممكن ذات يوم أن تمتدح قرارا حكوميا.. وهنا تبدأ التعليقات.. وتبدأ كتائب الشتائم برمي كل مقذوفاتها, يستبيحون كل شيء فيك.. الضمير, الكرامة، وطنيتك, قلبك.. كل شيء.
من الممكن أن تنتقد إضرابا, أو اعتصاما... وهنا يصبحون أئمة في الوعي والضمير الوطني, ويبدأون برمي الفتاوى على صفحتك.. منهم من يعيب عليك اسمك, ومنهم من يعتبرك لصا.. ومنهم من يقوم بتعليمك أصول الوفاء.. ومنهم من يستعمل اقذع الأوصاف في الحديث عنك... والغريب أن واحدا منهم, وصفني (بالمرتشي)... وقد وجدته ذات يوم في نفس غرفة القاضي التي أجلس بها لأجل قضية مطبوعات ونشر.. هو كان يجلس في ذات الغرفة, على قضية تكسب غير مشروع..
في الأردن محاكم الضمير الوطني موجودة على "الفيس بوك", ومقاصل قطع الرقاب موجودة.. والمعارك التي تندلع لأجل الوطن موجودة, واستباحة الناس موجودة.. والبطولات الكرتونية التي تندلع موجودة, والثورات لديهم تبدأ بالهجوم عليك دون ان يقرأوا ما كتبت.. لدرجة أني وضعت قبل اشهر حديثا نبويا, فكان أول تعليق يأتيني هو (سحيج).. وأنا للآن لم افهم سحيج لمن لرسول الله؟.. وهل هنالك أعظم من أن تذبل عشقا في محمد...؟
ذات يوم وفي ذكرى استشهاد وصفي التل, نشرت صورة له وتحتها وضعت خطابا القاه حين كان في الأعيان.. كان أول تعليق يأتيني: (اللي زي شكلك يمثلون إساءة لوصفي).. وصفي التل لهم وهزاع لهم أيضا والتاريخ الأردني لهم, والجيش لهم... والكرك لهم واربد كذلك, حتى تاريخنا الوطني محرم علينا أن نطرقه..
أنا اجزم أن الحالة تحتاج (لضبضبة).. أو (لملمة), في تاريخ الدولة كلها لم يكن الولاء تهمة أبدا والانتماء ليس سبة... لماذا إذا وصلنا لهذا الوضع؟
ما يحدث في الساحة هو أن قلة قليلة, نصبت نفسها إماما على المجتمع واحتكرت الفضيلة والوطن.. واحتكرت التاريخ والحق, واحتكرت التراب وضمائر الناس.. وصارت هي التي توزع صكوك الغفران علينا.. وصرنا بالمقابل نحن الخطيئة بحد ذاتها.. إلى متى سيبقى الوضع هكذا؟
abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2022/05/22 الساعة 00:49