في الوقت الذي كان العرب جميعهم نائمون في خنادقهم يتربصون ببعضهم أو منشغلون بمشاكلهم الداخلية، كان جلالة الملك عبدالله الثاني يقضي إجازته السنوية في الخارج، وفجأة إذ بالأخبار تتدفق عن إجتماعات عقدها في واشنطن مع وزراء الحكومة والمسؤولين الأميركيين والقادة والمستشارين في البيت الأبيض والكونغرس،وكرس جلالته محادثاته لمناقشة القضية الفلسطينية وتحديدا المرحلة الراهنة التي يعاني منها الفلسطينيون في الداخل وفي ظل الإنقسام في البيت الفلسطيني، والتطورات في إعادة تركيب «الليقو الرئاسي» بعد التفاهمات ما بين حركة حماس والمسؤولين المصريين، ولكن ما جرى هو قرار اليونسكو باعتبار الحرم الإبراهيمي في لائحة التراث العالمي دون اعتراض الولايات المتحدة، ما أدى الى لوثة جنون في إسرائيل.
إجتماعات الملك ليست مجاملة أو إجراءات شكلية للمرة الثالثة، بل إن إثنين من المسؤولين في إدارة الرئيس ترمب عن ملفات الشرق الأوسط وأهمهم جاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب، كانا ضمن المجموعة الرئيسة التي إلتقاها الملك،وحدد بلغة المدرك لمجريات الأحداث والخبير في إستشراف مستقبل مصائبنا السياسية العربية،حدد الأطر التي يجب إتباعها من الإدارة الأميركية للخوض في عملية السلام المتوقعة، وهذا ما دفع الإسرائيليين الى الصراخ بصوت عال،حتى المعارضة واليسار الإسرائيلي وجد فرصته في سلخ جلد رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو وحكومته، ووصفوا زيارة الملك واجتماعاته بأنها صفعة لجهود الحكومة الإسرائيلية لتغيير الواقع الرتيب.
إسرائيل اليوم أصبحت أقوى بكثير مما كانت عليه طيلة نصف قرن مضى،عسكريا وتكنولوجيا وصناعيا،ولأول مرة في تاريخها تستقبل رئيس وزراء هندي، حيث تحطمت القبة الحديدية لدول عدم الإنحياز،وفتحت تل أبيب نيودلهي من باب المصالح العسكرية، بعد أن سيطرت على دول أفريقية باتت سوقا للصناعات العسكرية والتكنولوجية الإسرائيلية، وهذه الأخبار للأسف لا تهم الشارع العربي الذي بات ضائعا في مراقبة صراع الكبار، ونسي الجميع القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف وفي الخليل التي قسمتها إسرائيل في السابق.
الضفة الغربية جزء من أرض فلسطين التاريخية،وقد أخذت إسمها بعد الوحدة مع الأردن، الضفة الشرقية،وقد تحّمل الأردن ما لم تتحمله أي دولة عربية من مختلف التحديات منذ عام 1948 عندما كان الجيش الاردني هو المسؤول عن القتال في كل مناطق الضفة الغربية وعلى رأسها القدس،وقَبِل ضم الضفة الغربية عام 1950 لأن القوى العظمى لم تقبل أن تقوم دولة أو حكومة على ما تبقى من أرض فلسطين، ومنذ ذلك التاريخ والأردن هو المسؤول سياسيا عن الضفة الغربية حتى عام 1988، رغم كل الجهود لبعض الدول العربية لإفشال «دولة الوحدة» ما بين الأردن وفلسطين، والتحريض على الإنفصال، وعندما أصدر الأردن قراره بفك الإرتباط القانوني عن الضفة، تخلى الجميع عن فلسطين وأهلها وقيادتها،إلا فيما يخدم مصالحهم،وهذا أمر يدركه الملك الذي يرى أن القدس مسؤوليته الشرعية التاريخية.
الملك عبدالله لم يزر فلسطين 48 إطلاقا،والزيارة الوحيدة التي قام بها في مطلع حكمه عام 2000 كانت الى مدينة إيلات المحاذية للعقبة على متن اليخت الملكي، وجاءت بعد تعطل الزيارة التي كانت مقررة في شباط من العام نفسه بسبب القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان، وقد ألقى جلالته كلمة مقتضبة وجهها الى رئيس الحكومة آنذاك إيهود باراك وركزت على ضرورة إنصياع إسرائيل للموعد النهائي المحدد لتوقيع إتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية حسب مقررات أوسلو والذي إنتهى آنذاك،ومنح الفلسطينيين حقوقهم كاملة غير منقوصة وعدم المساس بالمقدسات والحرم القدسي،ثم قفل الملك عائدا الى العقبة بعد ساعتين، ولم يعد في أي زيارة.
إندلعت انتفاضة الأقصى،وفاز إرئيل شارون برئاسة الحكومة واتبع سياسة الإغتيالات ضد قادة فلسطينيين وبناء جدار الفصل العنصري، ومذاك الحين والملك يقود الحملة السياسية تلو الأخرى للوصول الى حل نهائي لتطبيق القرارات الدولية الشرعية، ومنح الفلسطينيين حقوقهم، وفي كل مرة تنفجر في عواصم العرب المشكلة تلو الأخرى،وبقيت القضية الفلسطينية «شماعّة» للجميع للإستمرار في تسويفهم، حتى وصلنا الى ما يعرفه الجميع اليوم من خطب ودّ إسرائيل،حتى بتنا نظن أن العالم كله يغفو في حضن إسرائيل قريبا،وفي النهاية تخرج علينا رواية «صفقة القرن» التي لن تتحقق،ويبقى الأردن وقيادته مسؤولا مباشرا عن القدس ولن يعقد صفقات بعيدا عن أشقائه الفلسطينيين ودون قيام الدولة الناجزة، وسيبقى الصوت العربي الوحيد في العالم.
Royal430@hotmail.com
الرأي