تحفَل وسائل الإعلام الروسية بكثير من التحليلات والقراءات ووجهات النظر, المتباينة بل المثيرة واللافتة حول ما يجري في أوكرانيا منذ 24 شباط الماضي والكيفية التي تجري بها الحرب الدائرة الآن بين روسيا والولايات المتحدة/وحلف الناتو وليس مع أوكرانيا, رغم أنّ الأخيرة هي الساحة التي تجري عليها هذه الحرب، بل كيف حولتها الإدارة الأميركية إلى ساحة حرب مفتوحة مع روسيا للحؤول دون فقدان واشنطن هيمنتها على العالم وانتهاء تفردها قيادة منذ انتهاء الحرب الباردة, ودائماً التوسع المُتسارع لحلف الناتو, الذي بات يلامس الحدود الر?سية، ما يُعرّض أمن الأخيرة ووجودها. وهي أهداف لم تنفِها واشنطن، بل إنّ الحماسة الزائدة التي تبديها واشنطن، ألمانيا، فرنسا وبريطانيا ومعظم دول الناتو لمنح العضوية للثنائي الإسكندنافي (فنلندا والسويد)، يؤكد بلا لبس أنّ المعركة الدائرة الآن لا تقترب من نهايتها، بل هي مرشحة لمزيد من التصعيد الذي قد يصل (وهو احتمال آخذ في التزايد) إلى صدام مباشر بين روسيا والولايات المتّحدة/الناتو.
تبرز في ظلال هذا المشهد المُحتقن الذي بدأ يفرض نفسه على دول العالم أجمع, أسئلة وتساؤلات وخصوصاً دعوات روسية عبر وسائل الإعلام والشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي الروسية, من قبيل «إلى أين تسير العملية الروسية الخاصة؟ ولماذا يتباطأ الهجوم الروسي؟ ومَن المنتصر في حرب أوكرانيا؟» وثمَّة منهم من يجزم أنّ «روسيا لا تستطيع التوقف عند حدود جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك».آراء كهذه لا تعكس بالضرورة النقاشات/الخطط التي يطرحها الكرملين والوزارات/المؤسسات ذات الصلة مثل الدفاع/والخارجية/الاقتصاد والبنك المركزي الروسي، بقدر ما تؤشر إلى أن تداعيات وأكلاف واستحقاقات حرب فرضت نفسها بقوة على المشهد الروسي، خاصّة أنّ المدة الزمنية لها باتت مفتوحة, بمعنى أنّها قد تطول إلى أمدية يصعب تحديدها, ما دامت دول الغرب/والناتو/والـG7 عقدت العزم على المضي قدماً في دعم أوكرانيا «حتى النصر", ما لا يسمح لموسكو بالتراجع/أو إبداء مرونة يراها الغرب ضَعفاً.يقول المحلل السياسي الروسي/ألكسندر نازاروف, في مقالة على موقع RT باللغة العربية، أول أمس، إنّ «الحرب العسكرية الروسية الخاطفة لم تنجح في أوكرانيا، والحرب الاقتصادية الخاطفة ضد روسيا من قِبل الولايات المتّحدة والغرب لم تنجح هي الأخرى بدورها»، مضيفاً: «بل يمكن القول الآن على وجه اليقين, إنّ الحرب في أوكرانيا قد انتقلت إلى فئة الحرب الطويلة، وفي هذه الحالة فإنّ ما يجري هو حرب قدرات أو إمكانات وبالنظر إلى وجود أسلحة نووية، فإنّ القدرات العسكرية/والاقتصادية (التي يتفوق بها الغرب) والملاحظة لنازاروف، ليست أكثر أ?مية من إمكانات الاستقرار الداخلي الذي تتفوق فيه روسيا». ثمّ يمضي قائلا: إنّ التباطؤ في الهجوم الروسي يثير كثيراً من الأسئلة لدى الجميع، لعل أهمّها لماذا تتصرف روسيا في أوكرانيا بضبط النفس على هذ المنوال؟ ولماذا تستمر في القتال هناك بمجموعات أقل عدداً من القوات الأوكرانية بعدة مرات؟ خارجا باستنتاج -ليس الأخير- مفاده: أعتقد أنّه لم يعد حتّى الآن, أشخاص من السذاجة يعتقدون أنّ روسيا في حالة حرب مع أوكرانيا وليس الولايات المتّحدة الأميركية، ومع ذلك تستمر الأغلبية عبثاً في قياس النجاح في اللعبة الكبرى من خلال أح?اث الحرب الروسية/الأوكرانية, وليس من خلال أحداث المواجهة الروسية الأميركية.في قراءة أخرى تلتقي إلى مع ما كتبه نازاروف، يتحدث رئيس مجلة/فيتزروي ماغازيين، كيريك بينديكتوف في لقاء نشرته صحيفة/كومسومولسكايا برافدا حول تطورات العملية الروسية عن ثلاثة سيناريوهات: الأول نصر عسكري روسي «مَحدود» أي السيطرة على جمهوريتي/لوغانسك ودونيتسك داخل حدودهما السابقة, والتمسك بمناطق جنوب أوكرانيا التي تسيطر عليها القوات الروسية، أما السيناريو/الثاني فيقوم بالسيطرة على الممر البري خيرسون/بيرديانسك/ميلتيوبول/ماريوبول، الذي شكّل المرحلة الأولى من العملية الخاصة مع احتمال السيطرة على نيكولاييف/وأوديسا، ?يكون جيداً جداً إذا حدث كل ذلك، لكن هذا الانتصار -يضيف- بالطبع ليس حاسماً لدرجة أنّ من الصعب التحدث عن أنّه سيشكل نقطة تحوّل, لأنّه (يواصل) لا يشمل السيطرة على خاركوف والمناطق الوسطى.. السيناريو الثالث فقد بدأ مع تحرير ماريوبول بما هي مفتاح الممر البري لشبه جزيرة القرم ولاحقاً أوديسا من خلال خيرسون، ما سيؤدي إلى عزل أوكرانيا عن البحر, ويمنح موسكو ممراً إلى ترانسنسيريا/مولدافيا, واصفاً ذلك بالسيناريو الأكثر ترجيحاً, لأنّ من الممكن -في نظره- تحقيقه تبعاً لميزان القوى الحالي.. مع ملاحظة منه بأنه السيناريو الأ?ل احتمالاً ولكن الواقعي أن تسيطر روسيا على معظم أوكرانيا باستثناء المناطق الغربية.في الخلاصة ثمّة مؤشرات متزايدة على أنّ الحرب ستطول, ولا يعرف أحد إلى أيّ مدى، ومن هي الأطراف التي ستنخرط فيها.kharroub@jpf.com.jo