صرت في الآونة الأخيرة أحاول تجنب الكتابة عن فلسطين وقضيتها، إنطلاقاً من الإيمان بأن هذه القضية أكبر من كل الكلمات، خاصة في هذا الزمن الذي صارت فيه الكلمات عن فلسطين محصورة بالشجب والاستنكار، وبالاستنجاد بالرأي العام العالمي رغم كل الادلة والبراهين على ازدواجية المعايير التي يمارسها الرأي العام العالمي.
لذلك فان كل الكلمات المقولبة الممسوخة المعادة والمكررة، التي لا روح فيها ولا تخرج من قلوب صادقة، ولا تلامس الروح ولا تثير القلوب، ولا تحرك المشاعر، ولا تثير الحمية، لن تفيد شيئاً، وفلسطين لا تحتاج إلى هذا النوع من الكلمات التي تصف الواقع وتكرسه وتكرس معه فكر الذل والهزيمة والاستسلام لهما، لكنها تحتاج إلى الكلمات المحرضة التي تبني الروح المعنوية وتشحذ الهمم، والعزائم، كلمات تنشر في الأمة ثقافة النصر والانتصار.نشر ثقافة صناعة النصر والانتصار بين أبناء الأمة هو أول خطوات الطريق إلى فلسطين الحرة والقدس المحررة، وهذه حقيقة تاريخية تؤكدها القراءة المنصفة والواعية لتاريخ هذه الأمة، وتاريخ القدس بالذات، فقد ارتبط تاريخ أمتنا بتاريخ ومكانة القدس عندها، فما من مرحلة تاريخية ضعفت بها أمتنا إلا وضاعت من يدها القدس واحتلها الغزاة، وظلت بيدهم حتى تصحو الأمة وتستعيد ذاتها، وهي صحوة يصنعها الفكر الذي يبني الوعي، ويجدد ذات الأمة ويحرك مكامن القوة فيها، وهذه حقيقة عرفها أعداء أمتنا وعملوا وما زالوا يعملون على تغييبها ابتداء من جهود المستشرقين وسمومهم التي بثوها في ثنايا ما كتبوه لنا وعنا من دراسات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ووجبات فكرية ظاهرها العسل وباطنها السم الزعاف، وعلى درب هؤلاء سار المستغربون من المحسوبين أنهم من أبناء الأمة وجلدتها، فكانت حصيلة هؤلاء وهؤلاء تكريس روح الهزيمة، ليتوج المحتل الصهيوني جهود تكريس روح الهزيمة بقتل كل من يحاول تبديدها حتى لو كانت هذه المحاولة مجرد كلمة تصف واقع الاحتلال وممارسته.في هذا السياق يجب فهم قتل قوات الاحتلال العمد للشهيدة شيرين أبو عاقلة، رحمها الله، التي يجب أن يكون الثأر لها بتحويل دمها ودم كل الشهداء في سبيل فلسطين ودرتها القدس إلى منارات تغذي صحوة فكر الانتصار ووعيه، عندها ترتاح أرواح الشهداء وتعود القدس إلى حضن الأمة، وتعود الأمة إلى مكانتها سيدة نفسها وأرضها.