رغم مضي خمسة قرون ما زال كتاب (الأمير) للفيلسوف الإيطالي (ميكافلي) يعتبر دستوراً للكثير من الحكام والأنظمة السياسية السلطوية على مستوى العالم، فميكافيلي صاحب نظرية (الغاية تبرر الوسيلة) لم يترك "شاردة أو واردة" في السياسة والحكم إلا وتحدث بها.
وعلى ما يبدو أن الساسة (الإسرائيليين) يتوارثون هذا الكتاب جيلاً بعد جيل, يحفظونه عن ظهر قلب, ويطبقونه بحرفية ودقة متناهية, فهم يظهرون أنفسهم أمام العالم بمظهر الدولة الحريصة على القيم والأخلاق والفضيلة, في حين أنهم يؤمنون بمقولة ميكافيلي بأن "السياسة لا علاقة لها بالأخلاق, ولكن لا بأس بالأخلاق ما دامت تخدمك ولا تتعارض ومصالحك", والأخطر من ذلك اللجوء إلى اللعب على العواطف والانفعالات وقلب الحقائق وتزييفها, بالأكاذيب أو الالتفاف عليها..!لم تلتزم إسرائيل منذ نشأتها بأي من القرارات الدولية الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة, بل ولم تلتزم فعلياً بأي من اتفاقيات ومعاهدات السلام التي عقدتها مع الدول العربية, وكانت دائماً ما تحرج تلك الدول بتراجعها عن كافة تعهداتها تجاههم. وللأسف كلما وجدت تراخياً استمرأت أكثر في رفضها, بل إنها تتعمد إصدار القرارات والقوانين التي من شأنها فرض سيطرتها وسيادتها على أرض الواقع, ضاربة بعرض الحائط كافة العهود والمواثيق التي أبرمتها أو نصت عليها القوانين الدولية.الدارس والباحث في خفايا النظام السياسي الإسرائيلي, لا بد أن يعلم حجم التشابه بين النظام الإسرائيلي والنظام الإيراني, رغم شكليهما المدني, لكنهما النظامان الوحيدان في العالم اللذان يستندان إلى عقيدة ووازع ديني متطرف. فالأول يؤمن بالوعد الإلهي المزعوم (بأرض الميعاد) والثاني يؤمن بالثورة الدينية القائمة على (ولاية الفقيه), وكلاهما يرفضان أي إلتزام يخالف معتقداتهما الدينية, وكلاهما يؤمنان بنظرية المؤامرة لذا يسعيان إلى التمدد الجغرافي. فطهران تتوسع في نفوذها وتواجدها في بعض الدول العربية (تصدير الثورة), أما تل أبيب وعلى الرغم من كافة المعاهدات والتفاهمات المعلنة وغير المُعلنة مع جيرانها العرب, ما زالت ترفض بكل عنجهية الإعتراف بالدولة الفلسطينية, أو بحل الدولتين, وتتوسع في بناء المستوطنات وضم الأراضي, وإعلانها أراضي (إسرائيلية), كما فعلت في القدس والجولان وأراضي الضفة الغربية.فمن يحكم قبضته على (إسرائيل) هم أحزاب اليمين الديني المتطرف, الذي لا يؤمن بأي سلام قائم على التنازل, بل على التوسع. وفي هذا السياق نرى المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن الزام إسرائيل بتطبيق القرارات الدولية ويقف ساكنا أمام الاعتداءات المتكررة على المصلين في المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس, بل إن ما أدلى به (بينيت) رئيس الوزراء (الإسرائيلي) من تصريح تأكيد على هذه الحقيقة, بأن "جميع القرارات المتعلقة بالمسجد الأقصى أو بمدينة القدس سيتم اتخاذها من قبل (إسرائيل),التي اعتبرها "صاحبة السيادة" على المدينة, بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية, مخالفا بذلك اتفاقية السلام مع الأردن, التي تنص بشكلٍ واضح على الوصاية الهاشمية لجلالة الملك على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.وفي النهاية نقول لمن يريد التعرف على النظام السياسي في (إسرائيل) عليك بقراءة كتاب الأمير لميكافلي فهذه الدولة (ميكافيلية) بامتياز.
إسرائيلية الميكافلية.. الغاية تبرر الوسيلة!
مدار الساعة (الرأي) ـ